الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التفكك الأسري (دعوة للمراجعة)

نخبة من الباحثين

أسباب التفكك الأسري

بعد أن تعرفنا على بعض مظاهر التفكك الأسري، لا بد من الخوض في أسباب هذا التفكك، حيث إن الأسرة تمثل أحد المحددات المهمة في الصحة النفسية وهو المحدد الثقافي، وذلك نظرا للأثر البالغ الذي تتركه الأسرة على شخصية أبنائها، سواء على النحو الصحي، أو على النحو المرضي.

فالأسرة هي وحدة المجتمع الأولى، وهي الواسطة أو حلقة الوصل بين الفرد والمجتمع، أي الرابط بين الثقافة والشخصية.. والأسرة هي الوسط الإنساني «الأولي»، الذي ينشأ فيه الطفل، ويكتسب في نطاقه أول أساليبه السلوكية التي تمكنه من التوافق مع المجتمع.

والأسرة قد تبدأ مفككة قبل أن تتكون أصلا، ويتمثل هذا في التفكير في الزواج دون الاستعداد النفسي والاجتماعي له، ولا أرى أن الاستعداد المالي ذو أهمية، وإن كان مما يؤسف له أن المكون المالي والإمكانات المالية، أصبحت تمثل عائقا أساسا أمام الزواج في كثير من مجتمعاتنا الإسلامية والعربية.. والاستعداد النفسي الصحيح هو اللبنة الأولى إلى عملية الاختيار الزواجي، والتي هي حجر الزواية، فإن كان الاختيار صحيحا كان الخير والسعادة كلها، وإن كان اختيار الزوجة قائما على مفاهيم سطحية ومادية وعاطفية فقط كان التوتر [ ص: 123 ] والتفكك قبل أن تتكون الأسرة أصلا.. ولم أجد مرجعا أو مقياسا يمكن الرجوع إليه في اختيار الزوجة أفضل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) [1] وما أجمل التوجيهات والإرشادات النبوية الداعية لحسن الاختيار: ( تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم ) [2] .. وعلى ذلك، فإن ما يرثه الطفل من صفات من والديه وأسلافه يدخل بصورة ما في نطاق التأثير الأسري.

ويرجع التفكك الأسري لأسباب وعوامل كثيرة، تختلف من مجتمع لآخر، ومن ثقافة لأخرى.. وسوف نحاول هنا الإشارة لأهم هذه الأسباب، خاصة المتعلقة بمجتمعاتنا:

1- ضعف ووهن الرابطة الزوجية

ويأتي هذا الضعف والوهن كنتيجة لكون كل من الرجل والمرأة مستقلا عن بعضه، خاصة من الناحية الاقتصادية، وهذا لا يعني بالضرورة أن تكون المرأة عاملة، فالمرأة غير العاملة أيضا ربما تحاول [ ص: 124 ] وتسـعى للاستـقلال الاقتـصادي، وذلك بتوجـيـه جزء كبـير من دخـل الأسرة لمنصرفاتها الخاصة، واهتمامها بقضايا انصرافية، خاصة فيما يخص لباسها وزينتها وعلاقاتها الاجتماعية.. وقد رأينا كثيرا من النساء يرغبن في القيام بأداء أدوار اجتماعية مميزة لإثبات الذات والشخصية، في حين أنهن يفتقدن المقومات الأساس لذلك.

ولا شك أن مثل هذه التصرفات والمواقف من جانب المرأة، تكون على حساب البيت والأطفال، وقد يساهم الزوج بصورة شعورية أو لا شعورية في تمادي زوجته، حتى وإن كان قد أحسن الاختيار، وذلك باتباع أسلوب التهاون والمهادنة والنكران والهروب، الأمر الذي يؤدي إلى اضطراب المقومات الأساس لمعيشة الأسرة، خاصة من ناحية الاستقرار وأداء الأدوار.

والأسر التي تهتم فيها المرأة بقضايا انصرافية أكثر من اهتمامها بالقضايا الأسرية الجوهرية، إنما يكون مرد ذلك في الغالب لاختلاف فلسفة كل من الزوجين في الحياة، خاصة أننا نعيش في عصر أصبحت المؤثرات الخارجية والبيئية تمثل تيارا جارفا يمكن أن يؤثر بسهولة وعفوية على فلسفة أي من الزوجين، ويجعلها تتبدل وتتغير من وقت لآخر، مما يترتب عليه المزيد من الهروب الانصرافي من [ ص: 125 ] جانب الزوجين، خاصة الزوجة، وهذا بلا شك سوف ينعكس سلبا على البيت والأطفال.

وكما هو معروف، فإن الإنسان يتميز بأن له طفولة طويلة، وهذا يعني أنه يعتمد على الكبار المحيطين به فترة أطول في إشباع حاجاته.. ويعتمد الوليد في بداية حياته على الأم اعتمادا كاملا في تـوفير الطعـام والـدفء والراحـة وسـائر ألـوان الرعـاية، مـما يجـعل الأم شخصا مميزا وذا مكانة خاصة لديه، ثم تتسع دائرة معارفه ومجال احتكاكه.

فالأم هي التي تصنع اللبنات الأولى في شخصية الطفل، وإذا انصرفت عن الاضطلاع بهذا الدور بإيجابية، فإن هذا الحرمان سوف يؤثر سلبا على شخصية الطفل، وسوف تظل إمكاناته الإنسانية كامنة، واستعداده معطلا، وسوف يدخل ذلك الطفل في حالة من الصراعات النفسية الداخلية، يتأتى منها لاحقا افتقاد الهوية والكينونة والاضطراب في شخصيته وسلوكه.

وقد تعرضت الأسرة مؤخرا لبعض التطورات التي غيرت من حجمها ووظيفتها، حيث إنها لم تعد تشكل الأسرة الممتدة التي تشمل العمات والخالات والأجداد، كمصادر إضافية للعطف والرعاية للطفل، خاصة في وقت غياب الأم. [ ص: 126 ]

ومن التطورات المهمة التي تعرضت لها الأسرة وأثرت في وظائفها، خروج المرأة إلى العمل خارج نطاق الأسرة، وقد ترتب على هذا التطور الاعتماد على الخدم داخل البيوت، وظهور مؤسسات تقوم ببعض ما كانت تقوم به الأم من أعباء تربوية، مثل دور الحضانة.

ولا نقول: إن خروج المرأة للعمل كله سلبيا ويلحق الضرر التربوي بالأطفال، إلا أن بعض الأمهات اتخذن العمل أصلا وسيلة انصرافية كمحاولة للمساواة بالرجل، ومن أجل الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي وبناء الشخصية.

وفي مثل هذه الحالة، فإن الضرر الأكبر سيقع على الأطفال، خاصة أن مثل هذه الأسر تكون عرضة للانقسامات وظهور تكتلات أو مجموعات داخلها.

فالأب قد يأخذ إلى جانبه بعض الأبناء، وكذلك قد تفعل الأم، أو أن ينجح أحد الوالدين في الاستحواذ على عاطفة واهتمام الأبناء جميعا في صراعه مع الوالد الآخر، وكأن الأسرة ساحة صراع وليس واحة سلام.. وتحدث عملية الصراع في معظمها على المستوى اللاشعوري، وإن كانت تبدو علنية وشعورية في بعض المواقف. [ ص: 127 ]

2- الفوارق الشاسعة بين الزوجين

تدل الكثير من الدراسات الاجتماعية والنفسية على أن الفارق السني (العمري) الكبير بين الزوجين، وكذلك الفوارق التعليمية أو الفوارق المادية والاجتماعية، ربما تمثل عاملا مهما في التوتر الأسري والتفكك والتمزق في كيان الأسرة لدى بعض الأسر.

والفوارق التعليمية ظاهرة معروفة، وكانت في السابق وسيلة لترابط الأسرة، حيث يكون الرجل أكثر تعليما، ويكون حظ الزوجة في التعليم أقل، وهذا يساعد كثيرا في أمر تثبيت وتدعيم قوامة الرجل، وعليه تقل التوترات داخل الكيان الأسري.

ولكن في السنين الأخيرة، وبعد انتشار التعليم وسط النساء، وتميز المرأة بالتحصيل الأكاديمي الجيد ونيل الدرجات العلمية العالية، وربما تفوقها النسبي على الرجل في هذا السياق، وإقدام الكثير من النساء على القبول بالزواج من رجال هم أقل درجة، من الناحية التعليمية، نشأ عن هذا الوضع اضطراب بعض الزيجات؛ لأن هنالك صراعا لا شعوريا لا بد أن ينشأ، حيث لا يستطيع الرجل مهما كانت قوة شخصيته، أن يتجنب الشعور بالدونية، كما أن المرأة لا بد أن ينتابها الشعور بالفوقية واليد العليا في كثير من المواقف والقرارات [ ص: 128 ] الأسرية، وربما يحدث هذا بالرغم من تواضع الزوجة المتعلمة، واحـترامها لزوجـها، وسعـيها لـحفـظ زواجها وبيتها.. وهذا الوضع لا يمكن تجنبه أو نكرانه؛ لأنه يعتمد على مركبات ووسائل ودفاعات نفسية ليست كلها في الشعور، أو تحت السيطرة الفكرية والوجدانية والمعرفية.

3- غياب رب الأسرة خارج البيت لساعات طويلة

تعتمد ديناميكية المؤسسة الأسرية على روابط الشراكة القائمة بين مؤسسيها (الزوجين) .. ويكتمل دور هذه المؤسسة بدخول المساهمين الآخرين وأهمهم الأطفال.. ورب الأسرة هو المحور الأساس الذي ترتكز عليه بقية المحاور.. والرجل الذي يتفانى ويسخر كل طـاقاته العـاطـفية والوجدانية والتربوية والاقتصادية من أجل أسرته، لا شك أنه بذلك يؤدي الدور الأساس في تماسك الأسرة، وتوازن أبعادها الاجتماعية والتربوية.

وبالمقابل، فإن غياب رب الأسرة خارج البيت لساعات طويلة، ينتج عنه نتائج سلبية وأضرار بالغة على استقرار الأسرة.. وغياب الرجل خارج البيت أصبح ظاهرة تهدد كيان بعض الأسر.. فهذا الغياب ربما يكون بحجة ساعات العمل الطويلة، أو إدارة الأعمال [ ص: 129 ] الخاصة، وأسوأ من ذلك هو الغياب في مجالسة الأصدقاء، أو بقصد اللهو، أو ما شابه ذلك.

وربما يكون غياب الأب من البيت بقصد الهرب من المسئوليات الأسرية.. فمثل هذا الأب ليس له حضور فعلي في المواقف المهمة التي تؤثر على تنشئة الطفل، كما أن غياب الزوج من البيت لساعات طويلة، خاصة إذا لم يكن لهذا الغياب ما يبرره، سوف يؤدي إلى تأجج الانفعالات من جانب الزوجة، وسوف تسيطر عليها الغـيرة، وتـلجأ لمـحاسبة الـرجـل عـلى تصـرفاتـه داخـل وخـارج نطـاق الأسـرة، بكثير من الـدقة، والـخوف الشديد عـليه مـن اختـلاطـه أو مجالسته «للغير»، وملاحقة حركاته وسكناته، وتأويل اتجاهاته.. كل هذه الأمور وما شابهها، يسيئ إلى العلاقات الزوجية، ويجعل كلا من الزوجين يضيق ذرعا بالآخر، ويرميه بعدم الاهتمام والوفاء، ويكون هذا سببا مباشرا في نشأة حالة «التوتر» وزيادة شدتها.

وهناك نوع من الغياب تفرضه ظروف شرعية ومنطقية، مثل الرجل الذي لديه أكثر من زوجة، فهنا يكون العدل والإنصاف هو السبيل الوحيد لإيفاء الزوجات والأولاد حقوقهم، وقضاء وقت أطول معهم.. إلا أنه وبكل أسف، قد استغل أمر مقاصد الشريعة [ ص: 130 ] الإسلامية من إباحة التعدد بطريقة سيئة من بعض الرجال.. فها هو المطلاق المزواج، وكذلك الباحث عن المنافع الدنيوية والاقتصادية فقط، وغير ذلك، تجد في عصمته أكثر من زوجة، والعديد من الذرية، لكن تجده غير عادل، ولا يقضي وقته مع أولاده بصورة منصفة بقدر المستطاع، وربما يقضي الكثير من الوقت خارج البيت فيما لا يفيد.

ومن الظواهر غير المحمودة، وتضر بالأسرة، وربما تؤدي إلى تفككها، أن بعض الآباء يستخدمون المال كبديل عن العاطفة الفعلية، فمثلا هنالك الأب الذي يعطي أي مبلغ من المال حين يطلبه أبناؤه، لكن ليس لديه الاستعداد أن يجلس مع هذا الابن لنصف ساعة فقط، يسأله عن شئونه ويفيض عليه بعاطفة الأبوة.

ومثل هذا الأب، الذي همه كله أن يقـضي أوقاته خارج المنزل، لا شك أن تصرفه ذلك سوف يؤثر سلبا على تكوين شخصية الطفل وبنائه النفسي والوجداني والمعرفي، وبهذا يكون الأطفال هم الضحية.. ونتيجة لذلك يتولد مجتمع يفتقد شبابه للهوية والشخصية الفاعلة.

وهنالك نوع من الغياب الأبوي، على الرغم من وجود الأب [ ص: 131 ] بالمنزل معظم الوقت، إلا أنه لا يشارك بفعالية في النشاطات الأسرية، فهو لا يجتمع مع أفراد أسرته على مائدة الطعام مثلا، ويكون معظم الوقت منعزلا لوحده، أو يقضي ساعات طويلة في مشاهدة التلفاز، وما شابه ذلك.. مثل هذا الغياب اللاجسدي، يمثل أيضا علة تربوية كبرى تساهم بصورة أو بأخرى في التفكك الأسري.

4- وسائل الإعلام الحديثة

كثر الحديث، كما كثرت البحوث والدراسات التي تجرى حول دور وسائل الإعلام الحديثة، وأثرها على مرافق الحياة المختلفة، خاصة وأن الأسرة هي صاحبة النصيب الأكبر من التأثيرات التي تنتج عن هذه الوسائل.. ولا أحد يستطيع أن ينكر الأدوار الإيجابية لهذه المرافق في بعض مناحي الحياة، إلا أن التأثير السلبي أصبح أكثر وضوحا، خاصة بعد استحالة التحكم فيما تحمله الفضائيات والإنترنت من ثقافات أخرى أضرت بالكثير من القيم التي تتمتع بها الأسرة الإسلامية العربية.

وقد أثرت وسائل الإعلام الحديثة، خاصة غير المنضبطة منها، على قيم التضامن العائلي، وقيم الاحترام المتبادل، وأخلت بمعايير الحلال والحرام، والطبيعي والشاذ، والمقبول وغير المقبول.. وتوجد [ ص: 132 ] الآن دراسات تؤكد أن الجلوس أمام أجهزة «الكمبيوتر» والدخول إلى شبكة الإنترنت لأوقات طويلة، خاصة بالنسبة للأطفال والشباب، يولد فيهم روح السلبية والقصور، وينشط لديهم صفات الشخصية الانطوائية والاعتمادية، التي تفتقد الهمة وروح الجد والمثابرة.

إلى جانب ذلك، فإن الجلوس لساعات أمام هذه الوسائل الإعلامية يحرم أفراد الأسرة من التفاعل مع بعض، وربما يفرض أحد أفراد الأسرة على بقية أعضاء الأسرة برامج خاصة تبثها إحدى محطات التلفزة، وبهذا يلحق الضرر بهؤلاء الأفراد، خاصة إذا كان هذا الفرد يمثل التيار القوي في داخل الأسرة.. وكثيرا ما تؤدي مثل هذه المواقف إلى صراع القيم، خاصة بين الأطفال، مما يضر مستقبلا بقضية الهوية والانتماء لدى هؤلاء الأطفال.

5- الخدم داخل البيوت وغياب الأمومة تربويا ولغويا

أكدت الدراسات العربية والإسلامية، وخاصة الخليجية منها، وضوح ظاهرة الخادمات والمربيات الأجنبيات في البيت الخليجي، حيث أصبح وجود الخادمة أو المربية أمرا ضروريا إلى حد بعيد، يصعب الاستغناء عنها في ظل الظروف الراهنة.. ولا نستطيع القول بمحدودية تأثيرهن على الطفل في البيت الخليجي، نظرا لاتساع [ ص: 133 ] مجال التفاعل من ناحية، والدور الحيوي الذي تضطلع به هذه الفئة في تربية الطفل وتنشئته ورعايته من ناحية أخرى.

وقد أشارت الكثير من الدراسات التي أجريت في منطقة الخليج إلى مساوئ المربيات والخادمات، وإن كانت بعض الدراسات، خاصة من الكويت ، قد أشارت إلى إيجابياتهن، فقالت بأنه لا توجد آثار سلبية على الأبناء من وجود المربيات الأجنبيات، خاصة في مظاهر النمو بالطفولة المبكرة واتجاهات الوالدين.. ومهما ذهبت هذه الأبحاث إلى القول بمحدودية التأثير أو ضعفه، فإن هذا لا يمكن الأخذ به وإطلاقه على المجتمع الكويتي بأسره، ولا أدل على ذلك من الأبحاث الأخرى التي أجريت في الكويت نفسها، والتي أكدت على وجود الكثير من السلبيات المرتبطة بوجود الخادمات داخل البيوت.

أما فيما يخص مساوئ الخادمات، فإن تقارير وأبحاثا من السعودية والإمارات والبحرين وعمان وقطر ، أشارت إلى وجود تـأثيرات سلـبيـة واضحـة، وإن تبايـنت الاتـجاهات في كل منها.. ولا شك أن العادات والأنماط السلوكية والقيم السائدة في مجتمعات المربيات الأصلية، هي عادات وأنماط سلوكية وقيم اجتماعية منبوذة ومرفوضة من قبل مجتمعاتنا عامة. [ ص: 134 ]

وتظهر هذه السلبيات جلية في:

أ- تحميل الأسرة أعباء مالية، والتبذير والإسراف في المواد الغذائية.

ب- غيرة الخادمات من ربات البيوت عند رؤيتهن رموز الثروة، التي تتمثل في المجوهرات والملابس الفاخرة وما إليها.

جـ- الانتقام من الأطفال في غياب الأمهات، ويمكن أن يكون هذا الانتقام عن طريق الأذى الجسدي أو الجنسي أو العاطفي، أو عن طريق الإهمال وعدم الاكتراث بمتطلبات الطفل.

د- الاتصال سرا بأشخاص مجهولين، وربما إقامة علاقات جنسية معهم، كجزء من الانحراف الأخلاقي للمربية.

هـ- ظهور قيم اجتماعية غير إيجابية، كالاتكالية، والاعتماد على «الغير»، وانعدام روح المبادرة.

و- التأثير اللغوي للمربيات، وقد تجلى ذلك في تأخير نطق بعض الأطفال، وتقليد لغة المربيات، والتحدث إليهن من خلال لغتهن الخاصة، الأمر الذي أدى إلى ظهور لهجة مهجنة.

س- تدني مستوى ارتباط الأطفال بالوالدين والإخوة، مما أدى إلى إضعاف صلة الطفل بأمه إلى حد واضح في كثير من الحالات.. ولا شك أن هذا الضعف إنما جاء كنتيجة طبيعية لتقليص دور [ ص: 135 ] الأم، ومزاحمة المربيات أو الخادمات لها في أدائه. ومن المعروف أن بين شخصية الفرد وصحته النفسية علاقة وثيقة، ويكتسب هذه الصحة النفسية من خلال تعامله الناجح، والتوافق بين البيت والعلاقات الاجتماعية التي تربط الفرد بمن يعيش ويتعامل معهم.

حـ- ونظرا لاتساع التفاعل بين الأطفال والخادمات أو المربيات، فإن تأثيرهن على الـمعتقدات الديـنيـة عـلى درجـة مـن الأهمـية، ولا يمكن تجاهله، وقد أشارت دراسة من البحرين إلى أن 45.1% من العينة يعتقدون بوجود تأثير ديني من قبل الخادمة أو المربية على الطفل.

ط- إهـمال الـزوجـة لـكثير من حقوق زوجها وجعل الخادمة تقوم بذلك.

6- تعدد الزوجات

من رحمة الله تعالى بعباده أن أحل تعدد الزوجات، وجعل منه مخرجا لكثير من المشاكل التي قد تعتري الأسرة والزيجة الأولى، ويكون الحل الأمثل هو الزواج بأخرى، خاصة في حالة العوائق الصحية والاجتماعية والنفسية.. وبجانب ذلك فهو وسيلة لتكاثر [ ص: 136 ] الذرية، التي تقوي من دعائم الأمة الإسلامية، كما أنه السلاح الفعال في مواجهة مشكلة العنوسة بين بنات المسلمين.

ومن هذا الـمنطلق نقول: إن تعـدد الزوجات شيء إيجـابي متى ما كانت الظروف مواتية وتوفرت شروط العدل بين الزوجات من جانب الرجل، إلا أنه ومما يؤسف له، أن واقـع الحـال يشير إلى أن هذه السماحة الإسلامية استغلت من قبل أقلية، لتتحول بعض الزيجات إلى جحيم، مما أدى إلى تفكك بعض الأسر وتشريد أفرادها.. وهذه الأقلية من الأزواج لا شك أنها قصيرة النظر، ولم ينمو لديها الضمير بشكل كاف، وذلك على الرغم من اهتمام الإسلام بتربية الضمير أو الوازع الداخلي عند الفرد، حيث اعتبره الرقيب الحقيقي على أفعاله.

بقي أن نقول: إن عوامل التفكك الأسري تتفاوت في شدة تأثيرها، وذلك حسب الظروف المحيطة بالأسرة بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة، وربما يكـون سبب التفكك الأسـري عـامـلا واحدا تجرعته الأسرة بجرعة كبيرة، وربما تتفاعل عدة عوامل مع بعضها بعـضا وبـدرجات مختلفة، لتؤدي في النهاية إلى ظاهرة التفكك وربما التفتت الأسري. [ ص: 137 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية