الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
خطورة الأمراض النفسية

على كيان الأسرة

د. محمد عبد العليم إبراهيم

تمهيد الأسرة هي الخلية والوحدة الاجتماعية التي يقوم عليها سلامة بنيان المجتمع.. ومن هذا المنطلق، حظيت باهتمام المفكرين من جميع الثقافات، فطالما كانت الأسرة على قدر كبير من الاستقامة والتماسك، صلحت شئون المجتمع واستقامت أموره.. وما انحلال الحياة الاجتماعية في كثير من الدول إلا نتيجة لانحلال الروابط الأسرية وضعفها.. وهذا الانحلال والتفكك الأسري، كنا نراه في الماضي محصورا في الدول الغربية وغير الإسلامية، إلا أنه في الآونة الأخيرة أصبح يطال بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وأصبح ضعف الروابط الأسرية هو السمة السائدة.. فلا يمكننا على هذا النحو أن نقضي على مشاكل المجتمع ما لم نعمل أولا على حل مشاكل الأسرة وحمايتها من التشرذم والتفكك، إذ لا صلاح للمجتمع الكبير إلا بإصلاح المجتمع الصغير، وهو الأسرة. [ ص: 117 ]

ولهذا السبب اهتم علماء الاجتماع بتوطيد دعائم ومناهج الدراسات الأسرية، ونشأ علم الاجتماع الأسري بوصفه علما اجتماعيا جزئيا هاما، وبدأ الكثير من الدراسات في هذا السياق يقوم على المنظور الإسلامي لعلم الاجتماع، كما بدأ التوجه البحثي والعلمي، فيما يتعلق بالبحث في أفضل الوسائل المؤدية للنهوض بالأسرة والقضاء على ما تعانيه من مشاكل وتفكك، يتركز حول الجانب الفني التطبيقي.

الأسرة الصالحة

قبل أن نتعرف على عوامل التوتر والتفكك الأسري، لا بد من الحديث قليلا عن الأسرة الصالحة والسعيدة.

فهي عبارة عن وحدة حية مكونة من مجموعة أفراد «الزوج والزوجة والأطفال»، تتفاعل مشاعرهم، وتتحد أمزجتهم، وتنصهر اتجاهاتهم، وتتفق مواقفهم، وتتكامل وظائفهم، وتتوحد غاياتهم، وتكون المودة والسكينة والرحمة هي المظلة التي يستظل بها الجميع،

خاصة الزوجين: ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (الروم:21) . [ ص: 118 ]

ومقومات الأسرة الصالحة تتلخص فيما يأتي:

1- التكيف والتوافق الاجتماعي والوجداني والنفسي.

2- توفر المستوى المعيشي المناسب وأسباب الاستقرار العائلي، وذلك من حيث المأوى، وموارد الدخل، ونظام الأمن العام.

3- اكتمال هيئة الأسرة، من حيث وجود الأب والأم والأولاد؛ لأن انعدام أي عنصر من هذه العناصر يضر بوحدة الأسرة، ويقضي على الوظائف الطبيعية والاجتماعية التي كانت تؤديها.

وفي حالة العقم وعدم الإنجاب، يمكن للأزواج التكيف والتوافق بدون وجود ذرية، ولا شك أن العمق الإيماني يعتبر المحك الرئيس الذي يحدد هذا الجانب.

4- تكامل الأسرة، من حيث توحد الاتـجاهات والـمواقـف بيـن عناصرها، ومن حيث التماسـك والتضامن في الوظـائف والعـمـل الـمشترك، والاتـجاه نحو غايات وأهداف واحدة، ومن حـيث التـكتل والتـحفز لـدرء أي خطر خارجـي يـهدد كيان الأسرة أو ينال من عناصرها.

5- التمسك بمقاصد الشرع الإسلامي الحنيف، وأن تكون [ ص: 119 ] العلاقة بين أفراد الأسرة وتربية الأولاد قائمة على الأسس الإسلامية الصحيحة، مع ضرورة احترام القانون العام وآداب السلوك وقواعد العرف والتقاليد الحميدة ومستويات الذوق العام، ومن حيث إرساء العلاقات المتبادلة بين عناصر الأسرة على قواعد الاحترام والإخلاص والمحبة والإخاء.

6- تجنب حدوث التحالفات والتكتلات الداخلية في الأسرة، مع إتاحة الفرصة لكل فرد كي يضطلع بأداء دوره الأسري بصورة إيجابية تصب في مصلحة النسيج والخلية الأسرية كوحدة واحدة.

7- مواجهة وتيرة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وطفراتها بالحذر والحكمة المطلوبة، ومحاصرة صراع الأجيال، الذي أصبحنا نرى بوادره خاصة في منطقة الخليج، ولا بد أن تكون المرجعية الإسلامية هي الأساس في هذه المواجهة.

وطالما كانت الأسرة على النحو المشار إليه، قوي تضامنها، وتدعم بنيانها، وشعر أفرادها بالسعادة بهذه الحياة الاجتماعية، وأصبحت بمنأى عن عوامل الاضطرابات والتفكك. [ ص: 120 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية