الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
سابعا: الطلاق

الأسرة في المنظور الإسلامي، مؤسسة اجتماعية اقتصادية.. وتعني كلمة (أسر) الشد والربط. وفي المنظور الاجتماعي، فإن الأسرة تعني الرابطة الاجتماعية بين أفرادها، لذا فلا عجب أن يعنى [ ص: 58 ] الإسلام بدوام الزواج ونجاحه، فيحدد الإجراءات لاستمرار ديمومته.. فقد اشـترط نيـة دوام الزواج، لـذا كـان أي زواج بنـية مـؤقتـة باطل لا يجوز. ويعد الطلاق أبغض الحلال إلى الله، وقد أباحه الإسلام إذا لم يعد بالإمكان استمرار الحياة الزوجية، وجعل له ضوابط ومراحل وفرصا للعودة في ضوء حرصه على استمرار العلاقة الزوجية قائمة. ويعد الطلاق نوعا من أنواع الغربة والاضطرابات النفسية التي تؤدي إلى صراع بين أسرتي الزوج والزوجة ويذهب ضحيتها الأبناء.

ويرتبط الطلاق بالصراع بين الزوجين وعدم الانسجام النفسي بينهما وبعمل المرأة (في كثير من الأحيان) ، وبعدم قدرة الزوج على الإنفاق، وبالتالي عدم إمكانية استمرار الحياة الزوجية.. ومن المؤسف حقا أن معدل الطلاق في معظم البلدان العربية الإسلامية آخذ في الازدياد، ففي دولة الكويت مثلا، يشير الكندري [1] .

إلى أن ما يقرب من نصف الذين يتزوجون سنويا ينتهون بالطلاق، وأن ثمة نسبة عالية من الانفصال التام المشابه للطلاق.

ولا شك أن الطلاق يعد من العوامل الرئيسة لانحراف الأبناء وتشـردهم وضياعهم وتشتت أفراد الأسرة، فعندما يفتح الطفل عينيه [ ص: 59 ] على الحياة ولا يجد أما تحنو عليه ولا أبا يرعاه، فإنه سيئول إلى الضيـاع والتشـرد.. ولـن يكون حـال الأبـناء بأفـضل من ذلك إذا ما تزوجت المطلقة من رجل آخر لن يقبل رعاية أبناء الزوج الأول، هذا فضلا عن تولد مشاعر القلق والخوف لدى الأمهات على مستقبلهن ومستقبل أبنائهن. ولما كان التماسك الأسري والاستقرار الزواجي يقتضي وجود أسرة متكاملة متحابة متعاطفة، فإن انفصال الزوجين بالطلاق أو حتى بغياب أحدهما لفترة طويلة سيؤدي إلى الحرمان العاطفي للأبناء، والفشل في تكوين القيم الاجتماعية لديهم، وشعورهم بالقلق وعدم الثقة بالذات وبالآخرين.

ويشير الكندري [2] . إلى أن الطلاق يؤدي إلى أشكال من التفكك الأسري تظهر على هيئة مشاعر عميقة بالتهديد والخوف والمعاناة من الاضطرابات التي ترافق الطلاق، والصراع العاطفي لدى الأبناء بين حب الوالدين وعدم قدرتهم على التحيز لطرف منهما دون الآخر، ووقوع الأبناء فريسة للانتقام والإيذاء المتبادل بين الوالدين، مما ينعكس سلبا على شخصياتهم المستقبلية، أزواجا وآباء، وعلى نظرتهم إلى ذواتهم والآخرين والمجتمع الإنساني بعامة.

ويرتبط الهجر بالطلاق.. ويعني الهجر ترك العلاقة الزوجية [ ص: 60 ] والتفكير في إنهائها أو التهرب من مسئولياتها، وغالبا ما يتم الهجر بترك أحد الزوجين الحياة الزوجية جراء النزاع والخلاف بينهما، وقد يتم الهجر دون أي اتفاق مسبق بين الزوجين.

وتكشف الإحصائيات [3] . ارتفاعا في معدلات الهجر في السنوات الأولى من الزواج، لا سيما في حال عدم وجود الأبناء الذين قد يسهمون في دعـم الحياة الأسرية وإعادة الأمور إلى مجاريها، ولا شك أن للهجر آثارا سلبية تنعكس على تشتت الأبناء وضياعهم وتشردهم وانحرافهم وبالتالي تفكك الأسرة عموما.

التالي السابق


الخدمات العلمية