النتائج والدلالات
نخلص من هـذا البحث إلى النتائج الآتية:
- إن الشارع قد أعطى أهمية كبرى للواجبات الكفائية، فلم يكلف شخصا بعينه القيام بها، بل علق التكليف بالأمة جميعا، لتكون هـي المسئولة عن ذلك، كما تكون آثمة عند التقصير فيها.
- إن مقصود الشارع من الواجبات الكفائية حماية المصالح العامة للأمة، من جلب مصلحة ودرء مفسدة؛ لذلك فإن التقصير في هـذه الواجبات يؤدي إلى ضياع المصالح العامة، مما يضر بالمسئوليات المجتمعية للأمة الوسط، الشاهدة على الناس، التي تقوم بعملية البلاغ، ونصرة الحق، وردع الظالم، وتبني حقوق الإنسان بصفته إنسانا، وتشجيع صرف الطاقات والجهود في التنمية والإعمار.
- إن الواجبات الكفائية، في القراءة الدينية المعاصرة، انحسرت أبعادها عن القضايا المصيرية للأمة، واقتصرت على قضايا المصير الفردي، من كفن وجنازة ونحو ذلك، الأمر الذي يقتضي الوقوف والمراجعة والتصحيح. [ ص: 141 ] - إن القصور في الواجبات الكفائية ، في مجال السياسة، أدى في كثير من الأحيان إلى غياب إرادة الأمة في اختيار الحاكم، الذي يأتمنونه على مقدراتهم كلها، كما أدى إلى عدم التأكد من صفة القوة والقدرة على أداء الواجب بمستوى التحدي ودرجة الكفاية المطلوبة، وعدم التأكد من صفة الأمانة والتجرد والتفاني لأجل مصالح الأمة؛ وهما الصفتان الضروريتان لأجل الحفاظ على مصالح الأمة، مما أدى إلى ظهورالاستبداد، الذي أجهض كل محاولات النهوض والتقدم، التي هـي جزء أصيل من الواجبات الكفائية.. كما أدت سيادة الاستبداد إلى مصادرة حرية التعبير والنصح الفردي والمجتمعي ( الاحتساب ) الأمر الذي أدى بالتالي إلى تكريس الأخطاء ووصفها من قبل كثيرين بالصواب المطلق.. والمؤسسة السياسية بدل أن تقوم برعاية مصالح الأمة بدأت تتجرد لحفظ مصالح (الآخر) .
- عدم الاهتمام بالواجبات الكفائية، في مجال العلوم الكونية، أدى إلى تأخرنا في مجال التقانة والصناعة والاقتصاد، وفوت علينا فرص التسخير التي كان يمكن استخدامها لأغراض الدفاع ومقاصد الردع وتحقيق رفاهية الإنسان.. نحن تأخرنا والآخرون تقدموا في [ ص: 142 ] هذه المجالات، واحتكروا المعرفة التي هـي سر القوة، ولم يسمحوا بنقلها إلا في الحدود الهامشية الضيقة، واستغلوها لقهر وإذلال الشعوب، بمن فيهم المسلمون، وهكذا أوتينا من قبل التقصير في الواجبات الكفائية ، التي لم نحسن الفهم لها أو الاهتمام بأولويتها.
- الاهتمام بالعلوم الإدارية والاقتصادية، لم يصل بعد إلى درجة الكفاية، حتى تسهم هـذه العلوم في حل مشكلات الأمة الاقتصادية والإدارية.. ومؤسساتنا التعليمية تخرج من كليات الاقتصاد والإدارة من يحسن حفظ المعلومات وقراءتها وردا، دون القدرة على الإبداع والتجديد، الذي يسهم في إخراجنا من نفق الفقر وسوء الإدارة، اعتمادا على إمكانياتنا المالية وقدراتنا البشرية.
- ساد فهم لدى كثير من العقليات الدينية بأن المسئولية عن الواجبات الكفائية تنتهي بمجرد تحمل شخص أو فئة لها، دون أن يشعر بمسئولية المتابعة التي تتمثل في حمل القادر أو المتعين عليه الواجب الكفائي ، وأن يصل أداؤه في ذلك إلى درجة الكفاية.. هـذا الفهم، أدى إلى أن تقصر هـممنا عن إنشاء وإحداث مؤسسات الرصد والمراقبة ثم الاحتساب والنقد المجتمعي كامتداد لمسئوليات الواجبات الكفائية. [ ص: 143 ] - إن الائتلاف الثلاثي (أزمة الفكر+ الاستبداد + الاستعمار) كان وراء القصور في الفهم للواجبات الكفائية وانحسارها عن مجالات الحياة العامة.. وعناصر الائتلاف الثلاثة خدمت هـذا الغرض، وليس بالضرورة من خلال اتفاقهم في الوسائل والغايات، والكثيرون قد أضروا بمصالح الأمة وهم يحسنون النية والقصد في ذلك.
- لا بد من المراجعة للفكر الذي أفرز الكثير من الفهم السلبي للواجبات الكفائية، ومن ثم العمل على فهم الأبعاد الحقيقية لهذه الواجبات الكفائية وعلاقتها بالنهوض والتقدم والشهود الحضاري وأداء الدور الرسـالي، بحيث يصـبح الاهتمام بـها تدينا، وإنزالـها إلى الواقع من أفضـل القربات عـند الله عز وجل في هـذا العصر؛ لأنه يكون سببا في إخراج الأمة من الحالة المأساوية التي لا تحسد عليها. [ ص: 144 ]