الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثانيا: التداول السلمي للسلطة: إن تداول السلطة مطلب ضروري في هـذا العصر، يحقق المصلحة العامة ، وعامل مهم للاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، وهو باعث مهم لتحقيق التنمية الشاملة، لذلك يعتبر السعي إلى تحقيقه من الواجبات الكفائية ، التي لابد أن تأخذ حيزا كافيا في خطاب الإصلاح الديني، خاصة وأن الاستبداد والشمولية جرت على الأمة أمرين خطيرين:

الأمر الأول: أجلست الأمة لعطاء قدرات وطاقات محددة، جادت بما عندها- إذا أحسنا الظن- وليس لديها من جديد في مجال العطاء، ولذلك أصبحت المؤسسة السياسية، في كثير من بلاد العالم الإسلامي، غير قادرة على التنافس في مجال العطاء والإنتاج مع دول أخرى تجدد في قياداتها وتختبر دائما خططهم وبرامجهم، وتشحذ الطاقات لعطاء أفضل وتأمين أفضل للأمن القومي، والتفاعل مع مشكلات المواطنين بصورة أحسن، وتحقيق تطلعاتهم والوصول إليها بأكبر قدر ممكن.

كثير من قياداتنا، في ظل أنظمة الاستبداد والشمولية ، تقفل الأبواب أمام عطاء العناصر الشابة المؤهلة، وليس للأمة من خيار، إذا [ ص: 105 ] كانت تتطلع إلى غد أفضل أو لقيادات أكثر كفاءة، من فتح المجال أمام الشباب.. ومما يؤسف له، أنه حتى إذا فكرت فئة من الأمة في هـذا الأمر، فهي غالبا ما لا تصل إليه إلا بعد سيل من الدماء وخراب الديار، وترك كثير من الأرامل والأيتام والمعوقين.. إن الكثير من بلداننا لم يتيسر له الوصول إلى مثل هـذا الأمل بصدر رحب، ومنافسة نزيهة من خلال طرح أفضل وبرنامج أفضل، والوعد بعطاء أفضل، مع بقاء المؤسسات والممتلكات والحفاظ على الأرواح، والرجوع إلى خيار الناس، كما يفعله الكثيرون بجوارنا من الأمم الأخرى - مع ما في تجاربهم تلك من العيوب - ولذلك فإن السير للوصول إلى الاتفاق على التداول السلمي للسلطة واجب في سبيل الوصول إلى الحكم الصالح والمؤسسة السياسية الصالحة.

ولكن مع الأسف، فإن هـذا الأمر بصورة عملية غير مطروح في كثير من بلاد العالم الإسلامي، بل تعود الناس على مدح قادتهم، وأنهم أفضل من يمشي على وجه الأرض – إذا لم أبالغ قليلا- والقيادة هـي كما هـي، وهي تعرف أن الحكم بيدها، وليس هـناك من يستطيع محاسبتها، فلا يوجد دافع حقيقي وواقعي لشحذ الهمة للسعي نحو الأداء الأفضل.. والقول الحق يلزم علينا أن نقول: إن [ ص: 106 ] قياداتنا ليسوا على درجة واحدة في ذلك، فمنهم من هـو أنفع للشعب من بعضهم الآخر، وهذا بخلاف ما هـو سائد في كثير من الدول الديمقراطية، التي استطاعت أن تشحذ هـمم قادتها للإبداع والتجديد والعطاء بأفضل ما يمكن أن يكون العطاء والأداء.. وفي مجمل الأمر، ومن الطبيعي، أن تكون النتيجة هـي ضعفنا وقوتهم؛ تأخرنا وتقدمهم؛ تأثيرهم وتأثرنا...إلخ.

الأمر الثاني: غياب التداول السلمي للسلطة غذى العنف، وساعد على تهيئة الأجواء للحركات التي تتخذ العنف منهجا في التغيير، حيث إن فتح الأبواب الدستورية والقانونية أمام عملية تداول السلطة والتغيير يساعد على الاستقرار واحترام القانون وانخراط كل أطياف المجتمع في القنوات الرسمية القانونية لأجل التغيير، فيحدث إجماع وطني حول أهمية مراعاة الدستور، وأن يكون التغيير بوسائل لا تعرض المصالح العليا للخطر.. ولا يخرج عن هـذا الإجماع إلا شاذ لا يجد مرتعا لنشر قناعاته داخل المجتمع، وبالتالي يزول ولا يكون له أثر على مجريات الأحداث، لذلك فإن التوجه نحو التداول السلمي للسلطة واجب كفائي يوجب التحرك والسعي، لأجل الحفاظ على مصالح الأمة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. [ ص: 107 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية