الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
خامسا: في ساحة مؤسسات التعليم:

إن مؤسسات التعليم أصبحت عاجزة عن توفير الكفاءات اللازمة لتطوير وتنمية البلاد؛ وعند بعض العقليات المتدينة أصبح الذهاب إلى المؤسسات التعليمية المعاصرة لطلب العلوم غير الدينية ظاهرة غير صحاية، تحتاج إلى المعالجة، دون أن يعلموا حاجة الأمة إلى المعارف الكونية والعلوم البحتة التي ترفع من قدرة البشر على الاستفادة من مكنونات الأرض التي خلقت لصالح الإنسان، وتمكنهم من فرص التسخير الكبرى، وتعطيهم اليد العليا في العطاء والإنتاج. [1] [ ص: 73 ] والتعليم بصفة عامة هـو عصب تقدم الأمم، ولا شك أن الدول المتقدمة تولي التعليم عناية قصوى، ليس فقط لأجل تربية العقول السليمة، ولكن من أجل التأكد من مواكبتها لركب التطور المطرد، الذي أصبح سمة من سمات هـذا العصر.

والتعليم العالي والبحث العلمي ذو صلة وثيقة بصناعة مستقبل المجتمع، وهو الذي يمكن أن يكون نتاجه «مجتمع المعرفة»، الذي يوظف المعرفة في عملية سير المجتمع وتطوره في المجالات المختلفة، إلا أن هـذه النظرة إلى التعليم، بهذه الصورة، لم تأخذ موقعها المطلوب في قائمة مسؤولياتنا المجتمعية، التي يفرضها ديننا الحنيف وتقتضيها مصالح مجتمعاتنا، بل نظرنا إلى التعليم ومقاصده وغاياته من نوافذ ضيقة، لذلك لم يرتق إلى أن يصبح من الخنادق المهمة في تحقيق الشهود الحضاري، والحضور في ساحة التنافسات الدولية، حيث الإنتاج المتميز للمعرفة والتكنولوجيا، فالحياة لا تكتب إلا للمتفوقين في هـذه المباراة.

ويبقى السر في تأخرنا يكمن في عدم قدرتنا على فهم وإدراك الواجبات الكفائية في هـذا المجال. [ ص: 74 ]

- أهداف التعليم:

الهدف من التعليم، بصفة عامة، تنمية العناصر البشرية، ويمكن تقسيم العناصر البشرية إلى أربعة أنواع رئيسة من الكوادر هـي: الفنيون، والجامعيون، والباحثون، والمخططون وصانعو القرار، مما يكشف عن مستوى فهمنا لمؤسسات التعليم، في ضوء فهمنا للواجبات الكفائية ومدى تمكننا من أدائها إلى درجة كفاية الأمة في هـذه المجالات.

1- الفنيون (التعليم الفني) :

التعليم الفني يجب أن يكون موجها لأغراض تخصصية دقيقة، حتى يستطيع الفني الإلمام بهذا التخصص في مدة زمنية مناسبة.. والمراد بالتخصص الدقيق هـو التخصص الذي يمكن أن يلم بجوانبه كلها إلماما شبه كامل.. ولا بد من القول: إن التخصص الدقيق في زمن معين قد يصبح في وقت آخر تخصصا عاما يحتوي على تخصصات أكثر دقة، وذلك بسبب سرعة انكشاف العلوم وتطورها وتشعبها، مثل الإلكترونيات التي كانت في وقت ما تخصصا دقيقا متفرعا عن الكهرباء، ولكنها اليوم أصبحت تخصصا عاما، ولديها أفرع تخصصية أخرى أكثر دقة. [2] [ ص: 75 ]

2- التعليم الجامعي:

في التعليم الجامعي ، يضاف إلى المهارات التقنية التخصصية أهمية التركيز على بناء القدرات التحليلية لدى الطالب، فالتعليم الجامعي التقني يجب أن يكون هـدفه التدريب من أجل رفع المهارات الابتكارية، وليس التدريب من أجل التنفيذ، كما هـو الحال في التعليم الفني.

فالتعليم الجامعي لابد أن يتركز على تحقيق هـدفين: القدرة على التطبيق على المشكلات الواقعية؛ والقدرة التحليلية الابتكارية لحل المشكلات.

3- التعليم البحثي (الدراسات العليا) :

وهو استمرار لعملية التعليم الجامعي مع التركيز على هـدفين أساس:

1- القدرة على التحليل، وهذه الخاصية من أهداف التعليم الجامعي، ويتم رفع مستواها خلال مرحلة التعليم البحثي .

2- القدرة على الابتكار، وهذا أهم ما يميز التعليم البحثي، وهي إذا لم تتحقق تكون عملية التعليم البحثي قد أخفقت في تحقيق أحد أهدافها الأساسية.. والتعليم البحثي بذلك يلعب دورا مهما وجوهريا، من الناحية الاستراتيجية، للأمن القومي . [ ص: 76 ] والقدرة على التطبيق لا تسمح بأكثر من ملاحقة النظم القائمة الأكثر تطورا، في حين أن القدرة على الابتكار تؤهل للمنافسة، ولا تقتنع بالقدرة على استعمال التقنية القائمة أو القدرة على التعامل مع الواقع فقط.

التعليم البحثي في العالم الإسلامي، بصفة عامة، مصاب بمشكلة عدم ارتباطه بالمشكلات الواقعية التي تعاني منها البلاد الإسلامية، وإنما يعالج في معظم الحالات مشكلات نظرية لا تمت إلى المشكلات الواقعية بصلة.. ومن ناحية أخرى، فإن القدرة على الابتكار تتوفر في العادة لدى الصفوة من الدارسين، الذين لابد من تهيئة الظروف الملائمة لهم حتى يتمكنوا من الإبداع والابتكار.

في عالمنا الإسلامي، نجد أن الدراسة البحثية يقوم بها - للأسف- الدارسون الذين يستطيعون دفع المصروفات الدراسية أو القادرون على الحصول على منح دراسية، وهي في أغلب الأحيان تأتي ثمرة للمحاباة أو الانتماءات التقليدية المعروفة، دون الاهتمام بمستوى القابليات والقدرات العقلية للدارسين والباحثين، الأمر الذين يولد عقما في العملية التعليمية البحثية، أو أن الناتج يكون في الغالب هـزيلا. [ ص: 77 ] كما أن معظم هـذه الدراسات يفتقد إلى التوجيه السليم صوب المشكلات التي تعاني منها الأقطار الإسلامية، بل كثيرا ما تتوجه الدراسات إلى مسائل تقتصر على الماضي أو إلى أشياء شكلية لا تمس جوهر مشكلاتنا الحقيقية في شيء.. فالحاجة إذن ماسة إلى توجيه هـذه الدراسات، إن توفرت، إلى حل المشكلات الخاصة التي تعاني منها أقطارنا في مجالات الحياة المختلفة.

وكذلك تعاني معظم أقطارنا من هـجرة الصفوة الدارسة إلى الدول الأكثر تقدما، سعيا وراء القيام بأبحاث في مجالات متقدمة؛ وفي ضوء هـذه الحالة تكون الاستفادة من هـذه الأبحاث من نصيب الدول المتقدمة نفسها، ولا تنعكس لها أية فائدة إيجابية على الحياة في الأقطار الإسلامية، ولا شك أن في هـذا خسارة كبيرة من ناحية الأمن القومي ، الذي يعتمد على أمثال هـؤلاء الباحثين من أجل تطوير النظم المختلفة. [3] وهناك نظامان أساسيان للتعليم البحثي ، أحدهما متبع في معظم الدول الأوربية والآخر متبع في الولايات المتحدة الأمريكية. [ ص: 78 ] في النظام الأول، التعليم البحثي حر، لا يتقيد بمقتضيات المؤسسات التنفيذية في البلاد، ويبررون ذلك بما تتمتع به المؤسسات التعليمية من استقلالية عن أهل التأثير في النواحي التنفيذية المختلفة في المجتمع.. وشكلا، يكون النظام البحثي التكنولوجي مجرد القيام بمشروع متكامل يتم بعده الحصول على درجة الدكتوراه «كما هـو الشأن في فرنسا وألمانيا » أو مشروع صغير للحصول على درجة الماجستير يليه مشروع أكبر للحصول على درجة الدكتوراه «كما هـو متبع في بريطانيا ».

أما في النظام الأمريكي، فإن العمل البحثي مقيد بمقتضيات ومتطلبات المؤسسات التنفيذية التطبيقية في المجتمع، وفي أغلب الأحيان يتم تمويل المشروعات البحثية عن طريق هـذه المؤسسات التطبيقية، سواء من القطاع العام مثل الجيش أو وزارة الخارجية أو وزارة العدل ؛ أو من القطاع الخاص كما هـو الحال بالنسبة للمصانع ومؤسسات التجارة والهندسة... إلخ.

وشكلا، فإنه بجانب القيام بمشاريع بحثية، يستمر تدريس المواد الأساسية على مستوى رفيع، ففي الولايات المتحدة واليابان يعتمد التعليم البحثي على التعاون الوثيق بين الجامعات وأماكن التطبيق المختلفة كالجيش أو الصناعة أو الزراعة وغيرها، وتعد هـذه هـي [ ص: 79 ] نقطة القوة في النظام التعليمي في الولايات المتحدة واليابان ، حيث تتميز الأبحاث في معظم الأحوال بأنها تمول من الجهات التطبيقية، بغرض تطوير شيء معين أو ابتكار حلول لمشكلات واقعية. [4] وفي هـذا الصدد يلاحظ أن الدول العربية تخصص أقل من 0.05% من ناتجها المحلي الإجمالي لأعمال البحث والتطوير، بينما تخصص الدول المتقدمة حوالي2% من ناتجها المحلي لهذا الغرض؛ وإنتاج الباحثين فيها يشكل 1% من الإنتاج العالمي، ويتضح من ذلك أنه لا يمكن للدول العربية الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة بدون زيادة كبيرة في المبالغ المخصصة لتمويل مشاريع البحث والتطوير [5] .

4- إعداد المخططين والقادة:

إعداد المخططين والقادة من أهم وظائف التعليم العالي والبحثي، فهؤلاء لا بد أن يكونوا من الصفوة والموهوبين، الذين يجب الاعتناء بتنمية قدراتهم ومواهبهم في المراحل التعليمية المختلفة، والتركيز على نمو قدراتهم الابتكارية والإبداعية في مرحلة التعليم العالي والبحثي، [ ص: 80 ] حتى يتمكنوا من استيعاب أوضاع البلد المعرفية والتقنية وفهم العوائق والمشكلات وأولويات الانطلاق.

ولكن واقع التعليم العالي في العالم الإسلامي ليس مبشرا، ولم يصل بعد إلى درجة اكتفاء الأمة من الكفاءات وتنمية القدرات بما يجعلها تعيش بمستوى التحدي الشاخص في هـذا العصر، دون الشعور بالذنب ومسئولية التقصير في مجال الواجبات الدينية الكفائية ، وهذا ما يجعل المراجعة لمنظومتنا المعرفية الدينية أمرا لازما، لتصبح قوة دافعة نحو تصحيح نظام التعليم وبرامجه في المراحل المختلفة.

والغرض من هـذا النوع من التعليم هـو تحقيق القدرة على الربط بين المدخلات الاستراتيجية المختلفة والقدرة على تحليلها، بغرض الوصول إلى تخطيط سليم من أجل تحقيق الأهداف المرجوة.

ويجدر بنا أن نشير إلى أن مثل هـذه المرحلة التعليمية موجودة بأشكال مختلفة في الدول المتقدمة، التي يتجه معظمها إلى قبول الطلبة المتميزين وذوي القدرات العقلية عالية. [6] [ ص: 81 ]

- الأمن القومي والواجب الكفائي:

الأمن هـو «غياب التهديد الواضح للمستويات الدنيا المقبولة للقيم الأساسية التي يعتبرها الناس جوهرية لبقائهم».. وهو يتضمن ثلاث مجموعات من القيم: الرفاه؛ الاستقلال؛ والوجاهة أو المكانة السياسية. [7] والأمن القومي لايتعين على وجه التحديد في الأمن العسكري ، المتمثل في القدرة على الدفاع عن النفس وعن الوطن والمقدسات فحسب، بل يمتد كذلك ليشمل الأمن الغذائي المتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي من أنواع الغذاء الأساسية؛ كما يمتد إلى الأمن الاقتصادي المتمثل في القدرة على الإنتاج ومقاومة الغزو الاقتصادي ؛ ويمتد كذلك إلى الأمن الفكري المتمثل في القدرة على مقاومة الغزو الفكري ؛ ويمتد أخيرا إلى القدرة على التطور في هـذه المجالات كلها، محافظا على هـذه القدرات ومنميا لها. [8] [ ص: 82 ] فالأمن القومي بهذا المعنى هـو « المصالح العامة » المتعلقة بمستقبل الأمة واستقلالها وتفوقها، التي أمر الشارع بالتصدي لها.. وهي، كما بينا سابقا، واجبات كفائية يجب أداؤها إلى درجة تحقيق اكتفاء الأمة من حاجتها لها، وإلا فإنها تكون قد قصرت في واجب ديني عظيم الأثر على المستقبل.

والأمن يتضمن عادة معنى أكثر بكثير من مجرد البقاء، حيث إن البشر في الواقع يطلبون الأمن لاستمرار تمتعهم بعدد من القيم الأساسية الأخرى، لذلك فإن التعريف الإجرائي للأمن، يختلف محتواه على مر الزمن، ولذلك يجب على الأمة، من خلال أهل العلم والاختصاص، أن تحدد ذلك في المجالات والأزمنة المختلفة.

1- الزراعة والفجوة الزراعية:

بلغت نسبة الاكتفاء، في العالم العربي، في عام 1991م، من القمح 51.1%؛ البن والشاي والتبغ 14.7%؛ السكر 33.6%؛ الخضر والفواكه متكاملة 94.9%؛ الألبان 94%؛ اللحوم 82%؛ والبيض 94.9%. [ ص: 83 ] والواقع أن نسب الاكتفاء الذاتي لا تقدم صورة متكاملة عن الوضع الغذائي، إذ نلاحظ على سبيل المثال أن نسبة استهلاك الحبوب في البلاد العربية عامة ترتفع عن تلك المسجلة في الولايات المتحدة ، بينما نجد أن العكس صحيح في حالة اللحوم والفواكه، ويمكن أن تكون الكميات المستهلكة للفرد متقاربة في كل من الولايات المتحدة ومجموعة البلدان النفطية في الدواجن والبيض والسكر فقط.

وتبقى في الواقع الأزمة الحقيقية والمباشرة متمركزة في مجموعة البلدان ذات العجز في موازين مدفوعاتها، كثيفة السكان « مصر ، الأردن ، سوريا ، تونس ، والمغرب » على الرغم من أنها من أهم البلدان العربية؛ إضافة إلى مجموعة البلدان العربية الأقل دخلا « السودان ، الصومال ، موريتانيا ، جيبوتي ، اليمن » والتي هـي على الرغم من أن هـيكلها الاقتصادي يتسم بسيادة القطاع الزراعي، إلا أن مصاعب الإنتاج الزراعي وعدم توافر التمويل اللازم للنهوض قد انعكس سلبا في صورة التزايد في عمق الفجوة الغذائية إلى حد مرور سكان بعض هـذه البلدان بمجاعات حقيقية. [ ص: 84 ] وتزيد خطورة الحال إذا ما وضعنا في الاعتبار أن أغلب المعونات الغذائية تقدمها البلدان الغربية المتقدمة، وهو أمر طبعي؛ لأن هـذه البلدان صاحبة أكبر حجم من الفوائض الغذائية، وليس بخاف أن هـذا الدعم الغذائي يزيد من خطورة (تعرض) البلدان التي تعتمد على هـذه المعونات لما يفرض عليها من شروط وللتغيير المفاجئ الذي قد يصيب حجم هـذه المعونات، خاصة وقت الأزمات الغذائية العالمية.

فمثلا، خلال الأزمة الغذائية العالمية، في أعوام 72-1974م، جرى تقليص المساعدة الغذائية الأمريكية تقليصا حادا، ففي حين كانت الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الأول من الستينيات تقدم سنويا إلى البلدان النامية في المتوسط 15.6 مليون طن من المواد الغذائية، انخفض مقدار هـذه المساعدة عند أواسط السبعينيات حتى بلغت 3.5 مليون طن فقط، وأصبح قسم كبير منها يقدم على أساس قروض.

كما أن المعونة الغذائية تخلق، من وجه آخر، نمطا استهلاكيا يصعب التراجع عنه، فاستهلاك القمح على سبيل المثال يصعب العودة لتعويضه بالمحاصيل التقليدية التي تزرع محليا، خاصة مع تزايد [ ص: 85 ] النمو السكاني والتوسع في المناطق الحضرية وهو ما لوحظ في اليمن والسودان ، إذ تم التحول من استخدام الشعير والذرة إلى دقيق القمح.. كما لا يخفي مانحو المعونة الأغراض السياسية لها، فالتقرير الذي أعدته لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي ونوقش في أعقاب حرب أكتوبر 1973م بعدة أسابيع، أعلن بصراحة: «نحن نوزع فائض الغذاء، لا على أساس الحاجات الأكثر إلحاحا وإنما على أساس الاعتبارات التي تمليها السياسة الخارجية الأمريكية» [9] .

إن عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي، والاعتماد على العالم الخارجي، وخاصة البلدان الرأسمالية المتقدمة، يشخص الخطر الذي يمكن أن ينتج عن هـذا الاعتماد والذي يتمثل في إمكانية تعرض الوطن العربي الإسلامي لاستخدام سلاح الغذاء ضده، وهو ما هـددت به الولايات المتحدة بالفعل في أعقاب حظر النفط العربي عليها في عام 1973م ، ولذا راج في ظل الحقبة النفطية، الحديث عن ضرورة تحقيق الأمن الغذائي بالاعتماد على الذات، وخصوصا مع توافر الإمكانات، ولكن يبدو أن الوجهة اتخذت منحى قطريا، بدل [ ص: 86 ] الاعتماد على الإمكانات المتوافرة لدول العالم العربي الإسلامي في مجموعها.. لذلك، فعلى الرغم من وفرة الأراضي القابلة للزراعة في الوطن العربي، التي تصل مساحتها إلى 301 مليون هـكتار، فإنه لا يتم زراعة سوى 47.4 مليون هـكتار منها، بل ولا يتم حتى استخدام هـذا المقدار من الأرض بالكامل. [10] هذه الإحصاءات تكشف مدى قصورنا وتقصيرنا في مجال تحقيق الأمن الغذائي ، الذي يعتبر من أهم الواجبات الكفائية التي لا بد من التصدي لها، بالتوظيف الكامل للطاقات البشرية والمادية في هـذا المجال.

2- الأبعاد التكنولوجية للأمن القومي:

لم يكن جنود الجيش المصري بأقل عددا أو شجاعة من جنود الحملة الفرنسية عندما وقعت المواجهة بين الفريقين على مشارف القاهرة في سنة 1798م، غير أن المدفع الفرنسي (المتفوق تكنولوجيا) حدد نهاية المعركة بصورة حاسمة، ومنذ ذلك الحين والصورة نفسها تكاد تتكرر بأشكال مختلفة.. والتقدم التكنولوجي المطرد يوما بعد [ ص: 87 ] يوم، الذي يزيد الهوة ويعمق الإحساس بها، بين دول العالم الإسلامي والدول الصناعية المتقدمة، قد يدعو بعضنا لليأس من قيام قائمة الوطن العربي والإسلامي، من جديد، أو للتسليم بحتمية التخلف التكنولوجي (!)

إن التخلف التكنولوجي قد ألحق ضررا كبيرا بالأمن الإقليمي للعالم الإسلامي، وكان لتخلفنا في ركائز التكنولوجيا الثلاث (التعليم؛ الصناعة؛ البحث العلمي) الأثر الكبير على أوضاعنا الراهنة، غير أنه مع ذلك يمكن الوصول، من خلال البحث والدراسة، إلى تحديد الأولويات الاستراتيجية للأمة، في كل من هـذه الركائز، لرسم مسار أمثل للتطور التكنولوجي المنشود، خروجا بالأمة من وضع التخلف التكنولوجي الحالي، وتحقيقا لمتطلبات الأمن القومي، طبقا لاستراتيجية ذات أولويات واضحة. [ ص: 88 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية