المطلب الثالث: الفرق بين الحيل والمعاريض :
- التعريض لغة: التعريض هـو الستر خلاف التصريح. وهو إرادة المتكلم من كلامه معنى يفهمه السامع من غير تصريح به [1] .
- التعريض اصطلاحا: يقول ابن تيمية: «هي أن يتكلم الرجل بكلام جائز يقصد به معنى صحيحا، ويتوهم غيره أنه قصد به معنى آخر، ويكون سبب ذلك التوهم كون اللفظ مشتركا بين حقيقتين لغويتين، أو عرفيـتين، أو شرعيتين، أو لغوية مع أحدهما أو عرفية مع شرعية» [2] .
وقال ابن القيم : «ما يتخلص بها الإنسان من الظلم والكذب بالحق، وإنما الظهور من ضعف فهم السامع وقصوره في معرفة دلالة اللفظ» [3] . وقال أيضا: «فالمقصود بالمعاريض فعل واجب أو مستحب أو مباح أباح الشارع السعي في حصوله ونصب له سببا يفضي إليه» [4] .
وعليه، فالتعريض المباح ليس من مخادعة الله في شيء، وغايته أنه مخادعة لمخلوق أباح الشارع مخادعته لظلمه، ولا يلزم من جواز مخادعة الظالم المبطل جواز مخادعة المحق، فما كان من التعريض مخالفـا لظاهر اللفظ كان قبيحا [ ص: 140 ] إلا عند الحاجة، وما لم يكن منها مخالفا لظاهر اللفظ كان جائزا إلا عند تضمن مفسدة [5] .
والفرق بين الحيل والمعاريض هـو أن:
1- المعاريض يتخلص بها الإنسان من الظلم والكذب، أما الحيل فيسقط بها ما فرضه الله.
2- المعرض لو صرح بقصده لم يكن باطلا ولا محرما، أما المحتال فإنه لو صرح بما قصده كان محرما باطلا.
3- المعرض قصد بالقول ما يحتمله اللفظ، أو يقتضيه، والمحتال قصد بالعقد ما لا يحتمله، ولا جعل مقتضيا له، لا شرعا ولا عرفا ولا حقيقة.
4- المعرض مقصده صحيح، ووسيلته جائزة، فلا حجر عليه في مقصوده، بخلاف المحتال فإن مقصده أمر محرم، ووسيلته باطلة.
ومن أمثلة المعاريض، التي يقصد بها جلب مصلحة أو دفع مفسدة، وفيها مندوحة عن الكذب، أنه قد لقي النبي طائفة من المشركين، وهو في نفر من أصـحابه، فقال المشـركون: ممن أنتم؟ فقال النبي: «نحن من ماء».. فنظر بعضـهم إلى بعض فقـالوا: أحياء اليمن كثير فلعلهم منهم وانصرفوا [6] .. " وقول أبي بكر الصـديق، رضي الله عنه، عن النبي (: «رجل يهديني السبيل» " [7] . [ ص: 141 ]