أ- خصائص المجتمع الخليجي:
من خلال الاستعراض السابق عن المجتمع الخليجي بشكل عام، يمكن إيراد أبرز معالم المجتمع آنذاك على النحو الآتي:
1 - هناك عوامل اجتماعية كثيرة يعدها علماء الاجتماع حقائق مشتركة تعين على فهم أي مجتمع وبخاصة في مجال معرفة نظمه وتقاليده وطباعه، ومن أبرز هذه الحقائق الدين، فهو الذي يجعل أفراد المجتمع ينتظمون في مجموعة مترابطة، ثم اللغة على أساس أنها وسيلة مهمة لوضع قواعد مشتركة للتفاهم بين أفراد المجتمع وصياغة ثقافته في منظومة واحدة [1] ، ومما يمتاز به مجتمع الخليج عقيدته الإسلامية، وتعد منطقة الخليج من المناطق النادرة في العالم التي يعتنق جميع سكانها دينا واحدا وهو الإسلام بنسبة (100%) تقريبا؛ وهذه الوحدة الدينية في الواقع هي نقطة القوة الكبرى في بناء الوطن وتماسـك المجتمعـات، كما أن اللغة العربية هي اللغة الوحيـدة والرسمية في المنطقة؛ ومن هنا بقيت لغة المجتمع هي اللغة العربية صافية سليمة النسيج، وصارت وسيلة واضحة للتفاهم بين السكان ونقل أفكارهم وترابطهـم والتعبير عن آمـالهم وطموحاتـهم، ويزداد المعنى السياسي وضـوحا لميزة اللغـة عند مقـارنة مساحة منطقة كبيرة [ ص: 40 ] مثل منطقة الخليج بنظيراتـها من المناطق الأخرى التي يمثـل فيها تعدد اللغـات واللهجـات أحد الفتائل المفجرة للقلاقل والنـزاعات الداخـلية، ولقد أثر هـذان العاملان - الدين الواحد واللغة الواحدة - بشكل كبير في مجرى حياة المجتمع الخليجي وكانا عاملين قويين لترابط المجتمع وتماسكه.
2- تأثير الدين الإسلامي في جميع مناحي الحياة في المجتمع وانصباغ المجتمع بصفة التدين العام في تلك الفترة ومايزال - ولله الحمد - إلا أنه في تلك الفترة كان أظهر، وبخاصة أن الإسلام يمثل العامل الأول الذي انبثق منه المجتمع وساهم في استقراره، فالدين الإسلامي ساهم في صهر كافة شرائحه في بوتقة واحدة، كما ساعد على القبول الجماعي لمرئيات وقرارات السلطة نحو قضايا التنمية، كما أن مجريات الأمور الخاصة والعامة تتقاطع بشكل واضح مع مواعيد وأوقات وفترات أداء الواجبات الدينية من الصلوات والصيام والحج، كما أن عادات الملبس والمأكل والمشرب وكذلك مراسم الزواج والمناسبات العامة لا يمكن فهمها بعيدا عن المعاني والمقاصد الدينية... فثقافة المجتمع ذات الطابع الديني والإسلامي تنعكس بشكل واضح على تفاعلات الناس في حياتهم اليومية [2] ، الأمر الذي يؤكد أن العمليات [ ص: 41 ] الصغرى للحياة اليومية في المجتمع الخليجي قد تحددت وتشكلت في ضوء البناء الديني للمجتمع.. وعلى كل حال فهذا المظهر العام للمجتمع ينطبق تماما على العلاقات التبادلية بين أفراد المجتمع الواحد بطبيعة الحال، فلا يمكن تصور تلك العلاقة أن تتم بعيدا عن هذا المظهر العام المتدين للمجتمع، وحث الإسلام على الجيرة والإحسان للجار والتزاور والتهادي فيما بينهم، إضافة إلى صلة الرحم والتكاتف بين أفراد المجتمع بشكل عام، إضافة إلى شيوع قيم التراحم والتواد من منطلق حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يرويه البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك بين أصابعه ) [3] .
3- مما يلاحظ في الفترة السابقة لاكتشاف النفط هو غلبة الحياة البدوية على عامة السكان، ويقسم الكتاب الاجتماعيون المجتمع في تلك المرحلة إلى فئات، منها عدة فئات أخذت أسماءها من واقعها الاقتصادي كالبدو الرعاة العاملين في الرعي، والبدو أشباه الرعاة، وهم رعاة وجناة محصول عند نضوجه، والحضر القرويين الذين يعيشـون في القرى ويعملون في زراعة الأراضـي، والحضر الذين يعيشـون في المدن وأشباه المدن ويعملون في التجارة والحرف، ومن المؤكد بحكم طبيعة الحال أن البدو أكثر [ ص: 42 ] عددا من الحضر [4] ، وذلك قبل أن تشهـد البوادي حـركة نزوح أشبـه ما تكون بالتفريغ السكاني منها إلى مناطق إنتاج النفط والتجمعات الحضرية الرئيسة، في حين نجد هناك من لا يفرق كثيرا بين فئات مجتمع تلك الفترة، فالسكان ينتمون إلى مجتمع مزدوج وخليط من البداوة المتأثرة بالبيئة الحضرية، وبيئة حضرية متأثرة إلى حد ما بالبداوة ولم تكن حضرية محضة تتصف بخصائص الحياة الحضرية، وعلى كل حال فالصفة الغالبة على المجتمع بعمومه أو غالبيته في الفترة السابقة أنه أقرب إلى الحياة البدوية من الحياة الحضرية أو من التحضر، وهذه الصفة للسكان لها تبعات عدة من الناحية الاقتصادية ومن ثم من الناحية الاجتماعية والتواصل بين السكان وطريقة المعيشة والاعتماد المتبادل، فحياة البادية أكثر بعدا عن حياة الترف أو حتى الميل إلى الترف، لذا نجد ابن خلدون يقرر «أن البدو هم المقتصرون على الضروري في أحوالهم العاجزون عما فوقها، وأن الحضر المعتنون بحاجات الترف والكمال في أحوالهم وعوائدهم، ولاشك أن الضروري أقدم من [ ص: 43 ] الحاجي والكمالي وسابق عليه؛ ولأن الضروري أصل والكمالي فرع ناشئ عنه فالبدو أصل المدن والحضر وسابق عليهما؛ لأن أول مطالب الإنسان الضروري ولا ينتهي إلى الكمال والترف إلا إذا كان الضروري حاصلا» [5] . وهذا القانون الاجتماعي الذي يقدمه عالم الاجتماع ابن خلدون يمكن تصوره على واقع فئات كثيرة من المجتمع الخليجي قبل وكذلك في أثناء بدايات اكتشاف النفط، فالبداوة غالبة عليهم والتحضر فيهم قليل، لذا كان الواقع يفرض وجود الترابط بشكل كبير بين أفراد المجتمع بحكم الاحتياج للبعض من جانب ولاعتبارات اجتماعية وأمنية من جانب آخر.
4- انشغال أفراد المجتمع بطلب الرزق وتأمين ضروريات المعيشة، وغلبة الحياة الجادة عليه، وبما أن الغالب على ممارسات المجتمع العمل في الزراعة أو الرعي أو التجارة أو الغوص فقد كان أفراد كل أسرة بمجموعهم يكرسون جل وقتهم للعمل، فتتكاتف جهودهم للمهمـة الأساس وهي تأمين الرزق [6] ، فقد أملت طبيعة الحياة القاسية وقلة الموارد الاقتصادية والتقاليد الاجتماعية المحافظـة قبيل اكتشـاف النفط على الفرد، سواء كان رجلا أو امـرأة شابا أم طفلا أن يكرس جل وقته للعمل المنتج من أجل تأمين ضروريات المعيشـة له ولأسرته... ونتج عن نظام العمل [ ص: 44 ] وانهماك كامل أفراد الأسرة في العمل اليومي عدم توفر وقت فـراغ يمكن من مـزاولة هوايات أو نشـاطات متميزة... مما نتج عنه قلة اهتمام السكان بمزاولة الهوايات الفردية أو الجماعية في مختلف نواحي الترفيه، فقد كان من المعتاد أن ينام الفرد بعد أداء صلاة العشاء بقليل؛ لأن عليه أن يبدأ يوم عمله الجديد بعد صلاة الفجر مباشرة [7] . وهذا الانشغال الحياتي أوجد نوعا من الترابط الاجتماعي فرضته الحاجة للتكامل ونقص الإمكانات والموارد مما يستدعي استـكمالها من الآخرين، مما يوجد ذلك الترابط المنشود بين أفراد المجتمع.