الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآثار الاجتماعية للتوسع العمراني (المدينة الخليجية أنموذجًا)

عبد الله بن ناصر السدحان

ثالثا: الآثار الاجتماعية الناشئة عن

التوسع العمراني

إن مما يؤسف له أن تخطيط المدن في عالمنا العربي الإسلامي انطلق بمنظور المدن الصناعية في العالم الغربي، وفي هـذا تجن كبير عـلى مدننا، فما نراه في مدننا الخليجية هو مشهد مؤلم، فنرى مدنا مكتظة وشوارعا مزدحمة، وعمرانا رحالا ينتقل من حي إلى حي جديد بما في ذلك من إهدار للموارد والوقت والجهد واستنـزاف للخدمات وتمدد للشبـكات والطرق بما لا طاقة لمدينة على صيانته واستيعابه، والسبب أن تخطيط المدن في الغرب نشأ في المدن الصناعية بعد الثورة الصناعية وكان أداة للحد من الآثار السيئة للصناعة على مدنهم ومجتمعاتهم، ووضعوا له مناهج لتحقق الغرض، لهذا نجحوا في أنسنة الصناعة ومنشآتها لتلاءم حياتهم، ولكن بعض مخططي المدن العربية والإسلامية طبقوا نفس أسس التخطيط على مدننا قبل وجود صناعات كالدول الصناعية فنجحوا في مصنعة الناس، وأصبحت أخلاق سكان هذه المدن صناعية أو مصطنعة [1] ، فلا الجار يعرف جاره، ولا تنمو [ ص: 65 ] العلاقة بين الأطفال في الحي الواحد بشكل طبيعي، وما ذلك إلا نتيجة لسوء التخطيط من قبل بعض المختصين في تخطيط المدن في عالمنا العربي الإسلامي، ولجوئهم المباشر لاستنساخ نماذج جاهزة نجحت في بيئة وليس بالضرورة أن تنجح في بيئة أخرى، فلكل مجتمع خصوصيته التي تنبع من عقيدته وثقافته، وتقاليده الاجتماعية المتوارثة.

إن المدينة عبارة عن أحياء سكنية متجاورة، ولا يمكن بحال من الأحوال أن نعزل أثر التخطيط العمراني للحي وتصميم شوارعه، وفراغاته، ومرافقه العامة، عن طبيعة النشاط البشري لسكانه، فالتواصل بين سكان الحي وهذه المرافق يبنى على طريقة تصميمها، وطبيعة التواصل بين سكان الحي أنفسهم يبنى كذلك على تصميم مواقع تلك المنازل التي يقطنونها، والمرافق العامة، والفراغات المكانية، وليس هذا فحسب، بل يتحكم شكل هذا التخطيط للحي في درجة التواصل بين سكانه، قربا وبعدا، حميمية، وتباعدية «فالحي السكني ليس فقط التصميم والبناء، فهو يتجاوز المادة إلى الجوانب الاجتماعية التي تجعل من المكان الذي تعيش فيه الأسرة فضاء للتقارب الاجتماعي، فأغلب الدراسات التي تتناول الحي السكني تعتبره مكانا للتربية» [2] . [ ص: 66 ] إن عدم مراعاة هذا الجانب الاجتماعي جعلنا نرى مدننا الخليجية تمتد من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب عشرات الكيلومترات، وشوارعها مكتظة وتقاطعاتها مزدحمة، وبهذا تكون هناك حاجة للسائقين والخدم وأكثر من سيارة للعائلة الواحدة في ظل عدم وجود وسائل نقل مناسبة، ومما لاشك فيه أن مدننا لو خططت بما يلائم عاداتنا واحتياجات وثقافتنا وعائلاتنا وأولادنا لكان أجدى وأنفع ولتحققت وفورات اقتصادية كبيرة ولتخففنا من كم هائل من المشاكل الأخلاقية الاجتماعية.

إن من المجزوم به في عالم الإنسان أن النسيج العمراني للمجتمع يشكل انعكاسا طبيعيا لرقي ذلك المجتمع وأخلاقياته وقيمه ومعاملاته وشخصيته المميزة وقناعاته التي يؤمن بها، ولو حدثت فجوة بين نسيجنا العمراني ونفوسنا لماتت نفوسنا، ولو عاشت نفوسنا في بيوت من غير بيئتنا لاكتأبت وخملت، لذلك لا عجب أن يبرز على سطح المجتمع في مدننا الخليجية عدد من الآثار الاجتماعية، وبعض هذه الآثار يمثل مشكلة حقيقية للمدينة الخليجية، كما سنرى.. وعلى كل حال يمكن إجمال الجزء الرئيس منها فقط، حيث قد يطول المقام لو ذهبنا للحديث عنها كلها، لذا سيتم التركيز على المهم منها والرئيس فقط لاعتبارات عدة أهمها أن ظهور هذه الآثار الاجتماعية الرئيسة سبب لآثار أو مشكلات جزئية أخرى تابعة لها ومتولدة عنها، وقد لا تظهر هذه الجزئية إلا تابعة للرئيسة الكبرى.

ومن هذه الآثار الرئيسة المصاحبة للتوسع في المدن عموما والمدن الخليجية خصوصا الآتي: [ ص: 67 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية