الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
2- إنشاء مراكز اجتماعية في الأحياء:

إن نمو المدينة الخليجية ظاهرة لا يمكن إيقافها وإن كان يمكن الحد منها، ولا يتوقف ذلك على مقدار المتاح ليس من الظروف الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية فحسب بل أولا وقبل كل شي على مقدار الممارسة لأساليب التخطيط ومستوياتها وعلى مقدار الأخذ بأسلوب [ ص: 127 ] التخطيط كمنهج حتمي إذا كانت هناك رغبة في الخروج بالمدينة الخليجية مما هي مقبلة عليه من تزايد في ظهور مشكلات اجتماعية جديدة وتنامي القائمة حاليا، وبخاصة أن الدراسات تشير إلى أن النمو الحضري سريع جدا، بحيث وقفت الإدارات والهيئات المسؤولة عن هذه المدن عاجزة أمام الأزمات الناجمة من النمو السريع لأحجام المدن، ولا تشير الدلائل إلى أن اتجاه التحضر سيضعف أو يتوقف في المستقبل القريب أو البعيد، بل تشير بعض الدراسات وأبحاث المهتمين بدراسة المدن العربية إلى أن التحضر سيستمر في النمو، وأن أعداد سكان المدن العربية سيتضاعف [1] .

لذلك فإنه من المفيد وسط ذلك كله السعي الحثيث من المسؤولين والمهتمين بالشأن الاجتماعي المسارعة والمبادرة في البحث عن طرق ووسائل مفيدة للتخفيف من المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الكثير من أبناء المدن المتوسعة، وذلك عن طريق إحداث نوع من المشاركة المجتمعية في إدارة وحل القضايا الاجتماعية التي تكون جزءا من نتاج التفاعل الاجتماعي في ظل توسع المدينة، سـواء كان ذلك في محيـط الأسرة أو محيط الجيران أو المحيط الاجتماعي للمجتمع المحلي المشترك، وذلك باستخدام مداخل [ ص: 128 ] وقائية وعلاجية وتنموية. وفي هذا الإطار يأتي هذا المقترح لإيجاد مركز اجتماعي للحي للعمل على إعادة الترابط بين أفراد الحي الواحد، والتعامل مع هذه المراكز على اعتبار أنها تمثل إحدى المشروعات التنموية التي تسعى لإعادة روح الحي الواحد والتكاتف بين أفراده.

فنتيجة للهجرة من الريف والقرية والبادية والاستقرار في المدن، والاحتكاك بثقافات وخلفيات اجتماعية متعددة ومتنوعة، ونتيجة للاختلاف في التركيبة السكانية، تبرز مشكلات متعددة منها ما يتعلق بسوء التكيف الاجتماعي مع المجتمع الجديد، ومنها ما يتعلق بالخوف من فقدان الذات والضياع في ثقافة المجتمع الجديد، الذي يخالفه في الكثير من مكونات الثقافة الفرعية، ومنها ما يتعلق بالانغماس في الخطأ على اعتبار أن هذا هو المطلوب في المجتمع الجديد، ومنها ما يتعلق بسوء التقدير للكثير من المعطيات في جوانبها المتعددة، ومنها ما يتعلق بالمكونات الشخصية للفرد، لذلك كله وجب العمل على إيجاد صيغة تستوعب كل تلك المعطيات، ومن ذلك إيجاد مراكز للأحياء تستوعب أهل الحي بمختلف مستوياتهم العمرية والجنسية والثقافية، وتبرز حاجة المجتمع بمختلف فئاته وتعدد شرائحه إلى برامج عملية وتطبيقات واقعية تغذي احتياجاته الاجتماعية والتربوية والثقافية والخدمية وغيرها، وتتضح حاجة المدينة الخليجية إلى مشروع (مراكز الأحياء) من خلال النظر في الأوضاع بعمـومها، سـواء الاجتماعية منها، أم الأمنية، أم الاقتصادية، أم الخلقية التي يعيشها مجتمع المدينة الخليجية. [ ص: 129 ] إن مشروع (مركز الحي) المشار إليه آنفا يتطلب بالضرورة إيجاد فراغات مكانية في الأحياء السكنية لخدمة العلاقات الاجتماعية، مثلها مثل الحدائق والساحات المفتوحة، وممرات المشاة. وهذه الفراغات العمرانية والأماكن المفتوحة تعد مجالا رحبا لاحتواء أنشطة السكان الجماعية والاجتماعية في كل حي من الأحياء، وتكون أرضية مناسبة للقاءات بينهم [2] ، إلا أن الفارق أن (مراكز الأحياء) هي الأنسب كونها تتمتع بتجهيزات جاذبة، تتباين وفق مختلف المستويات العمرية، والثقافية لسكان الحي، إضافة إلى وجود نوع من الضبط الذي يشجع الأهالي إلى دفع أبنائهم إلى ارتيادها بشكل مطمئن لهم تربويا واجتماعيا.

وبتأمل هذا الأمر تتضح أهمية مثل هذا المشروع الاجتماعي، والحاجة الماسة إليه لا سيما في هذه الظروف التي تعصف بالمجتمعات والأفراد، فرسالته تتمثل في تكوين علاقة إيجابية بين الفرد ومحيطه الذي يعيش فيه، وتشجيع مشاركة السكان في جهود تنمية المدن وتطويرها، والمحافظة على مكتسباتها ومنجزاتها، وهذه الرسالة تريد أن تستنهض همم جميع أفراد الحي والمجتمع ليكونوا أعضاء فاعلين، أصحاب مبادرات ذاتية ومشاركة إيجابية، كل حسب طاقته وموهبته. [ ص: 130 ] إن من الضرورة بمكان أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، فمشروع (مراكز الأحياء) قد سبقت إليه دول عديدة، برزت لدى بعضها الحاجة إلى هذه المراكز نتيجة لسوء أوضاعها الاجتماعية وتقطع الصلات بين أفرادها، كما هو الحال في دول الغرب كأمريكا وبريطانيا، فالأخبار تشير إلى وجود (4) آلاف مركز في بريطانيا وحدها، يشترك فيها أكثر من (4) مليون عضو، ويعمل فيها رسميا (230) ألف موظف، إن هذه التجربة رصيد يمكن تقويمه، ومن ثم الإفادة من إيجابياته وتجنب سلبياته [3] .

التالي السابق


الخدمات العلمية