الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أولا: المجتمع الخليجي

خصائصه وواقعه

مدخل:

إن علاقات أفراد المجتمع تتكون عبر عدد من الوظائف والأدوار الاجتماعية، التي يقوم بها أفراد المجتمع الواحد في عمليات مترابطة ومكملة لبعضها بعضا لتتوحد في محصلة نهائية يطلق عليها البناء الاجتماعي، ومن المفيد في هذا المجال تصور المجتمع كبناء اجتماعي يتألف من أنساق، وكل نسق يحوي أفرادا يشغلون مركزا اجتماعيا داخل النسق، ولهم مكانة اجتماعية على مستوى المجتمع ككل، كما يقومون بأدوار تتلاءم مع مراكزهم ومكاناتهم، حيث يساعد ذلك كثيرا في تحليل العلاقات الاجتماعية وتصور مساراتها، كما يترتب على تلك العلاقات نشوء قيم ومعايير معينة تحدد الأدوار التي يجب على كل فرد أن ينصاع لها ويتقيد بها، وبخاصة أن هذه العلاقات ليست جامدة، بل هي متغيرة من وقت لآخر، وتختلف سرعة التغيير ودرجته من حين لآخر.

وتتعدد الأنساق الاجتماعية التي تكون محط اهتمام الباحثين المتخصصين في دراسة أي مجتمع من المجتمعات، وذلك لأن النسق [ ص: 35 ] الاجتماعي في أبسط تعاريفه هو: وحدة اجتماعية تؤدي وظيفة، أو هو مجموعة معينة من التفاعلات بين الأشخاص الذين بينهم صلات متبادلة [1] . ويأتي النسق الأسري أحد هذه الأنساق في المجتمع الخليجي المرتبط مع الأنساق الأخرى، ويشمله ما يشمل الجوانب الاجتماعية الأخرى في مجتمع تلك الفترة من ضعف في التغطية العلمية له، دراسة وتحليلا، وتحاول هذه الدراسة أن تكشف جانبا من جوانب المجتمع الخليجي فيما بعد مرحلة التوسع العمراني وأثر ذلك على الحياة الاجتماعية.

اتصف الواقع الاجتماعي في دول الخليج في بدايات القرن الرابع عشر الهجري بالضعف العام متأثرا بمختلف الجوانب العلمية والصحية والثقافية والمادية التي كانت سائدة، وقد كان لطبيعة المنطقة الصحراوية والعزلة التي تعيشها بعض دوله الأثر الكبير في هذه الحالة، مع تفاوت لا يخفى بين الدول الخليجية آنذاك، إضافة إلى انشغال أهلها بالبحث عن الرزق، والتنقل من مكان إلى آخر في البيئات الرعوية أو الغوص والبحث عن اللؤلؤ، وعدم الاستقرار السياسي في بعض المناطق، وما نتج عن ذلك من ترد في الأحوال الاقتصادية إثر ما كان من اضطرابات سياسية.

ولئن كانت الوقائع السياسية والاقتصادية أو التعليمية يمكن رصدها بالتاريخ الزمني المحدد فمما لا يمكن تحديده زمنيا التحولات الاجتماعية، [ ص: 36 ] فالتغيير الاجتماعي يحتاج إلى عقود من الزمن حتى تتضح هذه التحولات في المجتمع، إلا أنه يمكننا القول: إن تاريخ اكتشاف البترول في دول الخليج يعتبر بداية تغير اجتماعي حقيقي، فالتجمعات البشرية حول هذا المورد الاقتصادي الجديد يمثل منطلق كل حضارة وتنمية، فكان نشأة بعض المراكز الحضارية هنا وهناك وبشكل كبير ومختلف عما سبق، ليبدأ منها التحول الاجتماعي في المجتمع الخليجي انطلاقا من نشوء المراكز الحضرية والمدن بشكلها الحالي.

وقبل الحـديث عن الأوضاع الاجتمـاعية في دول الخـليج لا بد من الإشـارة إلى أن هناك عوامـل اجتمـاعية كثـيرة تعتبر حقائق مشتركة تعين على دراسة أي مجتمـع وبالتالي معرفة وضعه، ونظمه وتقاليـده وطباعـه، ومن أبرزها عقيدة المجتمع التي يدين بها، فهي التي تجعل أفراد المجتمـع ينتظـمون في مجمـوعة مترابطة، ثم اللغة على أساس أنها وسيلة مهمة لوضع قواعد مشتركة للتفاهم بين أفراد المجتمع وصياغة ثقافته في منظومة واحدة.

إن مما يمتاز به مجتمع الخليج عقيدته الإسلامية، وهي دين جـميع أفراد الشعب، ثم لغته العربية الموحدة. ولقد أثر هذان العاملان بشكل بين وواضح في جميع مناحي حياة المجتمع، كما سنرى، ولقد كان المجتمع ينقسم إلى قسمين أساسين مع تداخل بينهما، والقسمان هما: بادية وحاضرة، فالبادية تعتمد على الترحـال، ويجـوبون الصحـراء بحثا عن الماء والكلأ، وغالبا [ ص: 37 ] ما كانت حياتهم غير مستقرة، وهذا أثر بدوره على جوانب عدة في حياتهم، بخلاف الحاضرة الذين فضلوا عيش الاستقرار فبنوا البيوت وأنشأوا التجمعات المدنية في القرى والبلدان، وعملوا في الزراعة والتجارة أو الغوص والبحث عن اللؤلؤ، فضلا عن محافظتهم على قدر معين من الثقافة والتعليم، ومن هنا نجد أن كلا من القسمين يعتمد على الآخر، ويغذي كل منهما الآخر باحتياجاته.

كما أثر التباين الجغرافي بين دول الخليج في اختلاف الحرف والمهن، والأدوار الاجتماعية للأفراد في كل منطقة، فالمناطق الساحلية منها عرف عنها ما اشتهرت به من انفتاح على العالم من خلال استقبالها للسفن التجارية والقوافل التجارية، وأصبحت مناطق جذب سكاني، في حين نجد المناطق الداخلية انتشرت بينهم الزراعة والرعي والتجارة على أنها حرفة رئيسة، وهكذا فكل منطقة لها تميزها الحرفي والمهني الخاص بها، مما يترتب عليه رسم الصورة الاجتماعية للحياة اليومية لأفراد المجتمع بناء على هذا التفاوت الجغرافي والتباين الاقتصادي والمهني، وما يترتب على ذلك من اختلاف في بقية مناحي الحياة اليومية ومنها العلاقات التبادلية بين أفراد المجتمع الواحد.

ويمـكن القـول: إن الحياة السـكنية لأفراد المجتمـع كان يغلب عليها البساطة في مظاهرها العمرانية بدءا من البناء وحتى الأثاث المنـزلي، [ ص: 38 ] فلقد كانت طريقـة البناء متمـاشية مع ظروف العصر وخاماته، فالمنازل طينيـة أو حجـرية يراعى فيهـا أن تكون ساترة من الخارج منفتحة على صحن الدار من الداخل، ويغلب على مجموع البناء في القرية أو المدينة الجانب العسـكري، وذلك بوضع سـور للبلـدة يحميها من أي عدوان خارجي أو حصون تحيط بـها، وهذا كان قبل الاستقرار السياسي لدول المنطقة،كما انعكس النمط العمراني السائد سابقا على الجوانب الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وبخاصة العلاقات القرابية في الجيرة، والترابط الاجتماعي بشكل عام بين أفراد المجتمع.

أما ما يتعلق بالحالة المادية لأفراد المجتمع وللدول آنذاك فقد كانت ضعيفة بشكل عام سوى ما وجد من طبقة التجار الذين يعملون في مجال البيع والشراء في بعض المجتمعات حتى بدأ تدفق النفط في المنطقة بكميات تجارية، ومنذ ذلك التاريخ، أصبح للدول مورد مالي ثابت يتنامى بازدياد، وهذا المورد المالي هو المحرك الرئيس لاقتصاد الدول، وهو أحد العوامل الرئيسة في النهضة التي عاشتها المنطقة، وأثر بدوره في الجوانب الاجتماعية، وهذا التحسن النسبي في الجانب الاقتصادي على مستوى الدولة وعموم المجتمع يعد عنصرا مهما فيما نحن بصدده في هذه الدراسة حيث يترتب عليه التأثير في الحياة العمرانية والاجتماعية تبعا لذلك. [ ص: 39 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية