2- التحول في شكل الأسرة: من أسرة ممتدة إلى أسرة نووية:
إن من أبرز الظواهر الاجتماعية المصاحبة للتطور الحضري، والتوسع العمراني في الدول الخليجية تحول الأسرة من أسرة ممتدة إلى أسرة نووية، وسبق الإشارة إلى أن الأسرة الممتدة يقصد بها سكن الابن بعد زواجه مع أبيه، وكذلك بقية الإخوة الذكور، حيث تضم الأسرة الوالدين، والأبناء وزوجاتهم وأبناء الأبناء، أما الأسر النووية فهي تعني استقلال الأبناء مع زوجاتهم وأبنائهم في مساكن مستقلة بعيدة عن والديهم [1] .
إن الدراسات الميدانية والإحصائية تشير إلى تنامي هذه الظاهرة، وعلى سبيل المثال كانت نسبة الأسر النووية في مدينة الرياض في عام (1407هـ\1987م) تبلغ قرابة (63%) من جملة السكان، بينما نجد أن النسبة ارتفعت في عام (1425هـ\2005م) إلى (قرابة (77%) ، وهذا في أقل من عشرين عاما، وهذا يشير بوضوح إلى تنامي ظاهرة الأسر النووية، مقابل تناقص الأسر الممتدة، «فالأسرة السعودية تعرضت في سنوات النهضة الاقتصادية إلى هجرة قوية من الريف إلى الحضر، وترتب على ذلك أن انقسمت الأسرة إلى أكثر من أسرة نووية، وهذا التمزق في بنية الأسرة التقليدية أدى بدوره إلى انعكاسات سلبية على مجمل وظائفها [ ص: 73 ] ونشاطاتها» [2] . وهذا التزايد في نسبة الأسر النووية هو السائد والمثبت إحصائيا في عدد آخر من المدن الخليجية مثل الكويت والمنامة والدوحة [3] .
وعلى كل حال فإنه يمكن أن نعمم الحكم بذلك التزايد على جميع المدن الخليجية دونما حرج علمي لتشابه الظروف الاقتصادية، والاجتماعية فيها ولمجتمعها، وإن كان هناك من البـاحثين من يرى أن الأسرة الخليجية لا يمكن تصنيفها ضمن أنماط (الأسر الممتدة) ، سواء في الماضي أم الحاضر، ولكنها أقرب ما تكون لنمط العائلة (شبه الممتدة) وليست (الأسر الممتدة) [4] ، وبخاصة في المدن. ولكن واقع الحال يدفع هذا الرأي وبقوة، إضافة إلى أنه لا مشاحة في الاصطلاح سواء كانت (ممتدة) أو (شبه ممتدة) ، إلا أنه من المؤكد أن الروابط الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة قد تقالت بشكل كبير، يعززه التباعد المكاني بين أفراد الأسرة الواحدة الحاصل جراء التحضر العمراني. [ ص: 74 ] إن مما لاشك فيه أن هناك حسنات للأسر النووية وكذلك لها بعض السلبيات، كما هو للأسر الممتدة، فهناك بعض «من المزايا لكل من النوعين، تقوم في مواجهتها مجموعة من جوانب القصور.. فثمة حقيقة في أنه توجد اختلافات عملية مهمة بين أنماط النظم العائلية التي تؤثر فعلا على حياة الناس الذين يعيشون في كل نوع وعلى سلوكهم أيضا» [5] . ولكن المقارنة العامة تظهر أن الأسر الممتدة كانت تؤدي - ومازالت - تؤدي وظائف اجتماعية، وأخلاقية، وثقافية، وتكافلية، تعجز عنها الأسرة النووية، فتوارث القيم التعاملية بين الكبير والصغير، وتعلم المواقف الاجتماعية الأسرية المختلفة، يتوافر بشكل أوضح في الأسر الممتدة، بخلاف درجة وجوده في الأسر النووية، كما كانت الأسر الممتدة تقدم الدعم الاجتماعي والنفسي والمعنوي، وحتى البدني لأفرادها من قبل بعضهم بعضا، بخلاف الأسرة النووية، التي تعني انعزال الأسرة في كيان اجتماعي وثقافي ونفسي وبدني خاص.
وبالجملة، فالأسرة الممتدة قناة للتواصل الثقافي، والديني، ولنقل التجارب والخبرات بين الأجيال حيث يتاح فيها للطفل التواصل مع جيلين أو أكثر، فتغتني معارفه ويتشبع عاطفيا ويتسع عالمه في مناخ يملؤه الحب ويتسع لدائرة واسعة من الأقارب يقدم بعضها لبعض الحماية والمشاركة الوجدانية والوقوف عند الشدائد سندا قويا.
إن بعض المختصين يرى أن تحول الأسرة الخليجية من نظام الأسرة الممتدة إلى نظام الأسرة النووية مع ما فيه من إيجابية قد تبدو ظاهرا إلا أنه [ ص: 75 ] «حمل في طياته نقيصة كبرى تتمثل في ارتخاء وتقليص مدى العلاقات التي كانت تتسم بها الأسرة الممتدة، وأثمر ذلك في النهاية عن إحساس بعدم الالتزام بمعايير الأسرة، فبعد أن كان الأبناء يعملون حسابهم لسلطة الأقرباء من خلال (تواجدهم) معهم أصبحت نوازعهم السلوكية أكبر من سلطة الأبوين في الأسرة النووية في الوقت الحاضر» [6] . ومع تقديرنا لوجهـة النظر هذه إلا أنه مما ينبغي ملاحظته أن الأسرة النووية وإن كانت الأكثر عددا، والأكبر نسبة بين عدد الأسر في المدن الخليجية، إلا أنها لم تنفك بشكل كبير عن منظومة الأسرة الممتدة، فالروابط وإن كانت غير موجودة مكانيا ولكنها في جانبها الاجتماعي والثقافي، وحتى السلطة الأبوية لها حضورها القوي، فيمكن القول: إن الوضع الأسري في المدينة الخليجية شكل جديد من أشكال الأسر، فهو ليس بالأسرة النووية البحتة، وكذلك لا يبدو أسرة ممتدة خالصة، فالأسرة الخليجية أسرة نووية في الظاهر، وأسرة ممتدة في الباطن، فما يزال مفهوم الأسرة الممتدة مسيطرا على الثقافة المجتمعية، من حيث المحافظة على العلاقات الأسرية بين الأفراد ولكون الأسرة في المجتمع الخليجي بشكل عام لا تزال تمثل الإطار المرجعي ووحدة الانتماء الأساسية لأفراد المجتمع [7] . [ ص: 76 ]