رابعا: العلاقات الاجتماعية
في ظل التوسع العمراني
قد يكون من المناسب قبل الحديث عن العلاقات الاجتماعية في ظل التوسع العمراني للمدينة الخليجية التعرف على إحدى النظريات الحديثة، التي تحاول أن تفسر تطور المدن والأثر الاجتماعي المترتب جراء هذا التوسع، وهي نظرية (ليوكلاسن) وهي تكاد تفسر وبشكل كبير واقع المدن الخليجية والتطور المنظور لها والمتوقع أن تنتهي إليه عمرانيا واجتماعيا، فعلى الرغم من ظهور العديد من النظريات التي تحاول أن تفسر نشأة المدن ونموها إلا أن نظرية (ليوكلاسن) تعد الأحدث بينها، والأقرب إلى حد كبير لتفسير نمو المدينة الخليجية وتمددها وتوسعها الرأسي والأفقي.. والنظرية تقسم نمو المدن ونشأتها إلى أربع مراحل [1] :
1- مرحلة التحضر: حيث يؤدي التوسع الصناعي إلى هجرة سكان الريف إلى المدن لأسباب عدة ومتداخلة، وبالتالي تزايد عدد سكان المدن بشكل مطرد، يقابله في الغالب تناقص في عدد سكان الريف. [ ص: 113 ]
2- مرحلة النـزوح إلى ضواحي المدن: وهي تحدث عندما تنمو دخول الأفراد بشكل ملحوظ نتيجة لزيادة أجر العمل، ولكن على الرغم من زيادة الدخول فإن الحياة في المدينة تبدأ في فقدان جاذبيتها لتعقد المعيشة فيها نتيجة ارتفاع أسعار السكن وغلاء أسعار السلع والخدمات والأراضي واتساع حجم المدينة، وهنا يلجأ أصحاب الدخول العالية والمتوسطة إلى النـزوح إلى الضواحي، ويصبح وسط المدينة مقصورا على النشاط الاقتصادي وإدارة الأعمال والبنوك التجارية وإن تخلل ذلك سكن بعض ذوي الدخول المحدودة في مبان سبق استئجارها منذ فترة طويلة بإيجارات زهيدة مما يدعو الملاك إلى إهمال صيانتها، وقد تتحول إلى مخازن ومستودعات، وأوكار للعمالة المخالفة، أو يتجه في النهاية إلى هدمها [2] ، حتى تتاح الفرصة للملاك لتحويلها إلى مكاتب أو متاجر أو غيرها من مستلزمات النشاط الاقتصادي التي تدر عليهم قيمة إيجارات مجزية، ويتصاحب مع ذلك زيادة في النـزوح إلى الضواحي مما يؤدي إلى ارتفاع [ ص: 114 ] أجور المساكن وأسعار الأراضي بهذه الضواحي وتبدأ بعض مشكلات المدن في الظهور، ثم يتبع ذلك نزوح جديد من هذه الضواحي إلى المدن الصغيرة القريبة والمحيطة بالمدن وهكذا، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في العديد من المدن الخليجية مثل: مدينة الرياض، ومدينة الكويت، ومدينة جدة، ودبي.
3- مرحلة التفكك الحضري: وهي تابعة للمرحلة السابقة ونتيجة لها، حيث يبدأ سكان المدن في التناقص، ولم تعد هناك أهمية لقرب مكان السكن من محل العمل، ويساعد على ذلك شق الطرق وتعبيدها والتطور في وسائل المواصلات وانتشار مرافق النقل العام والنمو النسبي للمدن المتوسطة الحجم والصغيرة وبعض القرى.
4- مرحلة إعـادة التحضر: وهي مرحلة تالية لما سبقها وتظهر نتيجة لما يأتي:
- التدهور الشديد في حالة السكن وسط المدينة، حيث لم تعد المباني القديمة تتمشى مع المطالب السكنية الحديثة.
- ظهور تجمعات سـكنية كبيرة في بنايات ضخمة يسكنها أشخاص لا تربطهم صلات اجتماعية ومتفاوتون في الثقافة والأذواق والطبائع، ويمكن ملاحظة ذلك في التنافس المحموم الآن في بعض المدن الخليجية لبناء الأبراج والبنايات الشاهقة وناطحات السحاب، كما في دبي خاصة.
- هدم المباني القديمة والأثرية وإحلال بنايات حديثة مكانها مما يفقد المدينة طابعها التاريخي والثقافي المميز لها. [ ص: 115 ]
ولا شك أنه لا توجد حدود فاصلة وحدية بين المراحل الأربع، بل هي متداخلة بشكل كبير يتباين بين مدينة وأخرى وفق مراحل التطور الاقتصادي والاجتماعي الأخرى. وعلى كل حال فإنه من المؤكد أن المدن الخليجية ستشهد المزيد من التوسع، حيث لا يتوقع أن يكون هناك توقف في التوسع العمراني في المدينة الخليجية، سواء كان هذا التوسع رأسيا، كما تشير له نظرية (ليوكلاسن) السابق ذكرها، أو أفقيا كما هو في بعض المدن الخليجية الأخرى، ويمكن تصور العلاقات الاجتماعية في كلا الشكلين، أي حين التوسع الرأسي والذي أبرزه فقدان العلاقات الاجتماعية، أو التوسع الأفقي التمددي وله مشاكله الاجتماعية الأخرى، التي سيتم الحديث عنها.
فواقع العلاقات الاجتماعية في ظل المزيد من التوسع في المدينة الخليجية يتوقع أن يأخذ المشهد الآتي: