3- تفعيل العمل الخليجي المشترك لتخفيف حدة العمالة غير العربية:
تعد منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية بشكل عام كيانا جغرافيا واحدا، وبخاصة أنها تمتلك جذورا تاريخية وحضارية مشتركة، وخصائص اجتماعية وثقافية متماثلة أو متقاربة إلى حد كبير، فقد كانت القبائل والعشائر والعائلات على صلات وروابط متميزة، ولا تزال كذلك، كما أن النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية لدول المنطقة وشعوبها متشابهة نسبيا، إضافة إلى أن مصالحها ومصيرها ومستقبلها مرتبط بمدى النجاح الذي يمكن تحقيقه بأقصى درجات التنسيق والتكامل على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية، خصوصا في ظل التزايد الكبير [ ص: 131 ] لأعداد الوافدين من خارج المنطقة ووصولهم في بعض المناطق إلى مرحلة الخطر على الهوية الوطنية [1] .
لقد كان وما يزال من أهداف مجلس التعاون لدول الخليج العربية حين قيامه وفق إعلان أبو ظبي الصادر عن الدورة الأولى للمجلس الأعلى في مجلس التعاون لدول الخليج العربية المنعقد عام 1401هـ/1981م تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات. [2] وهناك جهود بذلت ولا زالت تبذل من قبل المجلس لتحقيق هذه الأهداف بشتى الوسائل التي حددتها الأهداف، وهي: تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، وذلك من خلال وضع أنظمة متماثلة في دول المجلس في المجالات الاقتصادية والمالية، والشؤون التجارية، والتعليمية والثقافية، والاجتماعية والصحية، والإعلامية، والإدارية، وكل ذلك طلبا لتعميق وتوثيق الروابط والصلات [ ص: 132 ] وأوجه التعاون بين شعوب المجلس، التي تعد تجسيدا مؤسسيا لواقع تاريخي واجتماعي وثقافي، حيث تتميز دول المجلس بعمق الروابط الدينية والثقافية، والتمازج الأسري بين مواطنيها، وهي في مجملها عوامل تقارب وتوحد عززتها الرقعة الجغرافية المنبسطة التي يسرت الاتصال والتواصل بينهم وأوجدت ترابطا بينهم وتجانسا في الهوية والقيم.
ويتضمن العمل الاجتماعي المشترك، الذي يعزز من اللحمة الاجتماعية بين دول المجلس وشعوبه جوانب عـدة تشـمل: المرأة والطفولة والأسـرة، والشباب، وذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السن والعمل التطوعي والتعاوني، والتنمية الاجتماعية، وتتم جهود التعاون والعمل المشترك بالتنسيق بين الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والمكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية ومن خلال سكرتاريته الفنية (المكتب التنفيذي) في البحرين، وتسعى إلى تحقيق أهداف التعاون والتنسيق الجماعي بين الدول الأعضاء في كافة المجالات العمالية والاجتماعية عن طريق تنفيذ العديد من الأنشطة والفعاليات ورسم السياسات واعتماد القوانين والأنظمة الموحدة، ووضع اللوائح النموذجية والأدلة والأطر العامة للعمل بهدف توحيد المفاهيم والأسس والضوابط الفنية والعملية، مع تبني الخطط وتنفيذ المشاريع والبرامج الاجتماعية والعمالية الخليجية المشتركة.
ويعد مشروع (أسابيع العمل الاجتماعي) من أبرز الفعاليات المشتركة وأظهرها إعلاميا، وهي فعاليات جماهيرية، يتم الاحتفال دوريا مرة واحدة [ ص: 133 ] كل عامين من خلال تنظيم أسبوع للعمل الاجتماعي تحتضنه إحدى الدول الأعضاء وتشارك فيه وزارات العمل والشؤون الاجتماعية وكافة الجهات الرسمية الأهلية المعنية، ويكون لكل أسبوع شعار خاص به؛ ويهدف الاحتفال بالأسبوع إلى: التعريف بالعمل الاجتماعي في دول الخليج، وأهميته، والعمل على تكامله وتوحيده، ودعم المساهمة الأهلية التطوعية في العمل الاجتماعي، وترسيخ فعاليتها، إضافة إلى تبادل الخبرات والمعلومات والتجارب الاجتماعية الرائدة.
وعلى الرغم من وجود العديد من الاتفاقات الأمنية والقضائية والاقتصادية، التي تعمل على التقارب الاجتماعي بين مجتمعات الدول الأعضاء في مجلس التعاون بشكل غير مباشر كما هو الحال في آلية التنقلات والسماح بتملك العقارات والمساهمة في الشركات الخليجية... الخ إلا أنها لازالت دون الطموح، كما يرى العديد من المراقبين، وبخاصة عندما تكون المقارنة مع الأهداف التي ارتضاها قادة الدول عشية إنشاء المجلس.
فعلى الرغم من كثرة الفعاليات الاجتماعية التي تمت على مدى السنوات الخمس وعشرين الماضية، إلا أنها لم تزل تدور في مجالات محدودة كما وكيفا، وفي برامج مباشرة قد لا تؤدي الغرض المرتجى منها، فلا يمكن إنكار الجهد الكبير الذي يبـذل من المجـلس، ولكن يؤخذ عليه النمطية؛ وما من شك أن الوحدة الخليجية التي ينتظرها القادة السياسيون في دول المجلس لا يمكن أن تمر إلا من بوابة المجتمعات، فبدون وجود تقارب مجتمعي [ ص: 134 ] فسيكتب للعديد من البرامج المشتركة الإخفاق أو عدم تحقيق حجم الأهداف المتوقعة أو كميتها، وبخاصة أن الأرضية الاجتماعية مناسبة للسعي في هذا المجال، فدول المجلس تمتلك وحدة جغرافية واحدة، وجذورا تاريخية مشتركة، وعوامل تكوين اجتماعية متشابهة وهي الدين واللغة.
ومن هنا لابد من تفعيل كبير وواسع وشامل للعمل الاجتماعي الخليجي المشترك للسعي نحو تفعيل أكبر للهوية الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية من خلال التكثيف الكبير من البرامج المشتركة وتنويعها وتعميمها، بالإضافة إلى إنشاء مركز إقليمي خليجي للبحوث والتدريب الاجتماعي، يختص بإعداد الدراسات الخاصة بالمشكلات الاجتماعية الخليجية من حيث حجمها وطبيعتها والعوامل التي تؤدي إليها ووسائل مواجهتها، ولا بد من اتخاذ المدخل الإعلامي لتمرير العمل الاجتماعي المشترك والمشروعات الاجتماعية التي تعمل على تحقيق التقارب الاجتماعي بين شعوب دول المجلس؛ ومن ذلك التوسع الكبير في الإنتاج البرامجي الإعلامي المشترك، وإنتاج البرامج ذات التقارب الاجتماعي بين شعوب دول المجلس؛ ومن ذلك أيضا السعي الحثيث لإدراج الجمهورية اليمنية ضمن منظومة الفعاليات الاجتماعية للمجلس بشكل أكثر تسارعا، حيث سيعطي عمقا استراتيجيا اجتماعيا أكبر للمجلس، واتزانا مجتمعيا بالنظر إلى إحلال العمالة اليمنية محل العمالة الوافدة، وبخاصة من كان من هذه العمالة الوافدة متباين في ثقافته وعقيدته، وهذه التوصية منطلقها البعد الاجتماعي فحسب، وذلك من واقع [ ص: 135 ] نتائج الدراسات الخليجية نفسها عن أثر العمالة الأجنبية على المجتمع الخليجي.. «فوجود العمالة اليمنية في دول المجلس وما تتميز به هذه العمالة من وحدة الثقافة والعادات والتقاليد مع شعوب دول المجلس سيلعب دورا هاما في التخفيف من الآثار السلبية للعمالة الأجنبية وأحد هذه الحلول العملية والتطبيقية لمواجهتها قبل أن تتفاقم ويصبح من الصعب السيطرة على أبعادها المختلفة، التي يمكن أن تؤثر على كيانات دول المجلس ذاتها» [3] .