الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      بين التربية والقانون

      الدكتور / علي القريشي

      4- خفض نسبة الجرائم والانحرافات وتحقيق الأمن الاجتماعي:

      إن التربية الإسلامية بمختلف جوانبها، الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهي تدعم القوانين الإسلامية المختلفة، من شأنها المساعدة على تضييق منافذ الجريمة والتجاوز والانحراف.

      فمثلا على الصعيد الأسري حين تعمل على إعلاء قيم العفة والستر والوفاء وصيانة الحقوق، وتحث على طاعة الوالدين واحترام كبار السن والرفق والعطف على الصغار ورعاية اليتامى والاهتمام بالأرامل، مع التنديد بسلوكيات الغدر والخيانة والعقوق ونكران الجميل، إنما تعمق بذلك الشعور بالمسؤولية الأسرية وتعمل على تمتين الروابط بين أفراد المجتمع. [ ص: 195 ]

      وما ظواهر الخيانة والعقوق وكثرة اللقطاء وارتفاع نسب الشذوذ والطلاق وإهمال كبار السن وشيوع الأمراض النفسية وانحراف الأحداث والتفكك الأسـري وغيرها مما هو منتشر في الكثير من المجتمعات المعاصرة إلا نتيجة لعدم الالتزام بالقيم الأسـرية والضـوابط السـلوكية، التي رسـمتها شريعة الله للعباد. في المقابل نرى انخفاض نسبة هذه الظواهر في أوساط المجتمعات، التي تتربى على التعاليم الإلهية، فالالتزام بالواجبات تجاه الأسرة في المنظور الإسلامي جزء من دين المسلم، بل أن الإحسان مطلوب حتى في حالات الطلاق، فحقوق الزوجة المطلقة لا يفرضها مجرد القانون الأسري، بل قيم المروءة والإحسان المأمور بها إسلاميا.

      والحقيقة أنه إذا كانت بعض القوانين الإسلامية غائبة عن مجالات التطبيق في حياة المسلمين اليوم، فإن النظام الأسري وقوانينه وأعرافه الإسلامية ما فتئت محل عناية ومحافظة لا بأس بها، ذلك بحكم ثبات التربية الإسلامية في هذا المجال وتعاضدها مع الأحكام الأسرية.

      فالأبوان مثلا ما زالا هما الركنان الأساسيان في الأسرة، وما برحا محل احترام وتقدير الجميع على نحو قد لا نجد له مثيـلا في أغـلب مجتمـعات العـالم. كما أن المرأة ظـلت محل حرمة وصيانة ولا يمكن التخلي عنها لمجرد بلوغها سنا معينة. كما لا ينتزع عنها انتماؤها الأسري لمجرد زواجها وإنما تظل أسرتها على ارتباط بها قبل الزواج وبعده، ومن الولادة وحتى الرحيل. [ ص: 196 ]

      إن اهتمام التربية الإسلامية ببر الوالدين والتنفير الشديد من عقوقهما له الأثر الإيجابي على حماية كبار السن وتوقيرهم وحماية حقوقهم، لهذا تنحسر ظاهرة ملاجئ المسنين ودور رعاية الكبار في المجتمعات الإسلامية مقارنة بالظاهرة نفسها في المجتمعات الغربية، التي لا تركز كثيرا على القيم الأسرية.

      إن مفهوم صلة الرحم، الذي تؤكده التربية الإسلامية يشمل الإخوة والأخوات والأجداد والجدات والأعمام والعمات والأخوال والخالات، ويمتد إلى أبعد من هذه الدرجات، وكل ذلك من شأنه أن يدعم التوافق الأسري ويعمق الصلات الاجتماعية وسلوكيات التراحم والتكافل بين أفراد المجتمع.

      إن هذه التربية تحث على احترام الجار وتذكر بحقوقه وواجباته، وهي بذلك توفر مناخا اجتماعيا أكثر أمنا وسلاما.

      وفي البعد الاقتصادي، تحث على احترام ملكيات الآخرين وحماية حقوقهم، واعتماد قيم الصدق والشفافية والنزاهة في التعاملات التجارية والمالية، الأمر الذي من شأنه أن ينشئ سوقا تنحسر فيها سلوكيات الغش والغبن والتلاعب وغيرها، وهذا ما يساعد في النهاية القوانين المالية والتجارية والاقتصادية على أن تأخذ مجراها الطبيعي ومجالاتها التطبيقية الصحيحة.

      وهكذا الحال في المجال السياسي وغيره من المجالات الأخرى، حيث يتآزر الجانب التربوي مع الجانب القانوني ويكمل بعضه بعضا.

      وعموما نقول: إن التفعيل التربوي القائم على إعلاء قيم الإيمان والتقوى والالتزام بالحدود الشرعية في كل جانب من جوانب الحياة إنما يهيئ الأفراد سلوكيا للانسجام مع مقتضيات القوانين وأحكامها. فالتربية ضد القتل [ ص: 197 ] والعـدوان والسرقة والاغتـصاب والزنا والفساد المالي والإداري والاجتماعي وغير ذلك من أشكال الفسـاد إنما تنشئ على الاستقامة والابتعاد عما هو محرم أو ممنوع أو مجرم، مما يعني ذلك تخفيض نسبة الجريمة والانحراف.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية