2174 - مسألة : فيمن قال أصاب حدا ثم لحق بالمشركين أو ارتد ؟ رحمه الله : نا أبو محمد عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا بن قتيبة سعيد ثنا حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عن أبي إسحاق السبيعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { جرير بن عبد الله البجلي } . إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه
قال رحمه الله : فبهذا نأخذ ، والعبد هاهنا كل حر وعبد ، فكلنا عبيد الله تعالى ، أبو محمد فهو محارب ، هذا أقل أحواله إن سلم من الردة بنفس فراقه جماعة الإسلام ، وانحيازه إلى أرض الشرك : [ ص: 30 ] بما حدثنا ومن لحق بأرض الشرك بغير ضرورة يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري ثنا ثنا خلف بن القاسم أحمد بن سعد المهراني ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا عن أبو معاوية محمد بن خازم عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { جرير بن عبد الله البجلي } . أنا بريء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين
قال رحمه الله : وسنستقصي الكلام - إن شاء الله تعالى - في هذا في " كتاب الردة " من هذا الكتاب . أبو محمد
فإن قال قائل : إنما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هاهنا مع ذكر العبد الآبق ، فصح أنه إنما عنى بذلك المماليك فقط ؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق : ليس الإباق لفظا موقوفا على المماليك الذين لنا فقط ، بل كل من هرب عن سيده ومالكه فهو آبق ، والله تعالى مالك الجميع ، والكل عبيده ومماليكه ، فمن هرب عن جماعة الله تعالى ، وعلى دار دين الله تعالى إلى دار أعداء الله تعالى المحاربين لله عز وجل فهو آبق .
برهان ذلك : قول الله تعالى { وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون } فقد سمى الله تعالى فعل يونس رسوله صلى الله عليه وسلم - وهو حر بلا خلاف - إذ فر عن أمر ربه تعالى إباقا - فصح أن الإباق لكل حر وعبد - وبالله تعالى التوفيق .
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن قدامة عن جرير عن المغيرة بن مقسم عن الشعبي قال : كان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم { جرير بن عبد الله فأخذه فضرب عنقه لجرير } . [ ص: 31 ] إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة وإن مات مات كافرا ؟ فأبق غلام
قال رحمه الله : ولا يسقط عن اللاحق بالمشركين لحاقه بهم شيئا من الحدود التي أصابها قبل لحاقه ، ولا التي أصابها بعد لحاقه ، لأن الله تعالى أوجب الحدود في القرآن على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أرسلها ولم يسقطها . أبو محمد
وكذلك لم يسقطها عن المرتد ، ولا عن المحارب ، ولا عن الممتنع ، ولا عن الباغي ، إذا قدر على إقامتها عليهم { وما كان ربك نسيا } .
ونحن نشهد بشهادة الله تعالى أن الله عز وجل لو أراد أن يستثني أحدا من هؤلاء لما سكت عن ذلك إعناتا لنا ، ولا أهمله ، ولا أغفله ، فإذ لم يعلمنا بذلك فنحن نقسم بالله تعالى أن الله تعالى ما أراد قط إسقاط حد أصابه لاحق بالشرك قبل لحاقه ، أو أصابه بعد لحاقه بهم ، أو أصابه مرتد قبل ردته أو بعدها ، وأن من خالف هذا فمخطئ عند الله تعالى بيقين لا شك فيه .
وقد صح النص والإجماع بإسقاطه ، وهو ما فقط ، فهذا خارج بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل من أسلم منهم ، فلم يؤاخذهم بشيء مما سلف لهم من قتل ، أو زنا ، أو قذف ، أو شرب خمر ، أو سرقة ، وصح الإجماع بذلك . أصابه أهل الكفر ما داموا في دار الحرب قبل أن يتذمموا أو يسلموا
فإن قال قائل : فإن الله تعالى يقول { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وقال تعالى { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } .
فصح بهذا أن المرتد من الكفار بلا شك فإذ هو منهم فحكمه حكمهم .
وذكروا من طريق حدثنا مسلم ثنا محمد بن المثنى الضحاك - يعني أبا عاصم النبيل - أنا ثنا حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب شمامة المهري ثنا مضر ثنا { في سياقة الموت يبكي طويلا ، فذكر الحديث ، وفيه قال فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : ابسط يمينك فلأبايعك ، فبسط يمينه ، فقبضت يدي فقال : ما لك يا عمرو بن العاص عمرو ؟ فقلت : أردت أن أشترط ، فقال : تشترط ماذا ؟ قلت : أن يغفر لي ، قال : أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله ، وأن الهجرة تهدم ما قبلها ، وأن الحج يهدم ما قبله } وذكر باقي الكلام [ ص: 32 ] ومن طريق حدثنا مسلم محمد بن حاتم بن ميمون ، لإبراهيم بن دينار - واللفظ لإبراهيم - قال : ثنا حجاج - هو ابن محمد - عن أخبرني ابن جريج يعلى بن مسلم : أنه سمع يحدث عن سعيد بن جبير { ابن عباس والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } إلى قوله { يلق أثاما } ، و { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } الآية } . أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن ، ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ؟ فنزل {
قال رحمه الله : تمام الآية الأولى إلى قوله { أبو محمد حسنات } .
والأخرى { إن الله يغفر الذنوب جميعا } .
وكل هذا حق ولا حجة لهم فيه بل عليهم على ما نبين - إن شاء الله تعالى .
أما قول الله تعالى { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } الآية ، فنعم ، هكذا نقول ، ولم نخالفهم في هذه الآية ، ولا هي مسألتنا ، وإنما مسألتنا : هل تقام عليهم الحدود السالفة أم لا ؟ وليس في هذه الآية من هذا حكم أصلا لا بنص من القرآن ، ولا من السنة ، وأن التائب منا مغفور له ، وأن ماعزا مغفور له والغامدية ، والجهينية : مغفور لهما بلا شك ، ولم تسقط عنهم مغفرة الله تعالى لهم ذنبهم : حد الله تعالى الواجب في الدنيا ، وإنما أسقطت مغفرة الله تعالى عنهم عذاب الآخرة فقط ، ولم يسقط عنهم الحد بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مع علمه صلى الله عليه وسلم أنه مغفور لهم أقام عليهم حد الزنى الذي قد غفره الله تعالى لهم .
وقد جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في القذف وهو بدري مغفور له وجلد مسطح بن أثاثة النعمان في الخمر وهو بدري مغفور له ، وجلد - رضي الله عنه - بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - عمر وهو بدري مغفور له ، كل ما فعل في الخمر ، ولو تمت الشهادة على المغيرة لحده وهو بدري مغفور له ما قد فعل - فصح أن قدامة بن مظعون ، ومن خالف هذا وقال : [ ص: 33 ] إن التوبة تسقط الحدود كلها خالف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا ، وقد تقصينا هذا في باب مفرد لذلك قبل هذا بأبواب يسيرة . المغفرة من الله تعالى لا تسقط الحدود الواجبة في الدنيا
وأما قول الله تعالى { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } فلا حجة لهم في هذا أصلا ، لأنه ليس فيها إسقاط الحدود على من أبق إليهم ، أو ارتد ، وإنما فيها : أن المرتد من الكفار ، وهذا لا شك فيه عند مسلم .
فإن قالوا : بلى ، ولكن لما كان منهم حكم له بحكمهم ؟ قلنا : لهم هذا واضح ، وبرهان ذلك : إجماعكم معنا على أن ، بخلاف المشرك الكتابي الذي يقر على كفره إذا أدى الجزية صاغرا وتذمم ، وأنه المرتد لا يقر على ردته أصلا عندكم ، وأنه لا يقبل من المرتد جزية بخلاف المشركة الكتابية ، وأنه لا تنكح المرتدة بخلاف المشرك الكتابي ، لا تؤكل ذبيحة المرتد كما يسترق المشرك إن سبي - فقد أقررتم ببطلان قياسكم الفاسد فأبطلتم أن يقاس المرتد على الكافر في شيء من هذه الوجوه ، ويلزمكم أن لا تقيسوه عليهم في سقوط الحدود ، فهو أحوط لقياسكم ، ولاح أنهم في هذه المسألة - لا النص من القرآن والسنة اتبعوا ، ولا القياس طردوا ، ولا تعلقوا بشيء أصلا - وبالله تعالى التوفيق . ولا يسترق المرتد إن سبي
وصح أن قول الله تعالى { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط - وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين .
فإن ادعوا أن المرتد لا تقبل منه جزية ، ولا تؤكل ذبيحته ، ولا يسترق إجماعا : دل ذلك على جهل من ادعى ذلك أو كذبه ، فقد صح عن بعض السلف : أخذ الجزية منهم ، وعن بعض الفقهاء : أكل ذبيحته إن ارتد إلى دين صابئ .
وأصحابه يقولون : إن المرتدة إذا لحقت بأرض الحرب سبيت واسترقت ولم تقتل ، ولو أنها هاشمية أو عبشمية . وأبو حنيفة
حدثنا حمام ثنا ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي الدبري ثنا عن عبد الرزاق عن معمر : أن عاملا سماك بن الفضل كتب إلى لعمر بن عبد العزيز في رجل أسلم ثم ارتد ؟ فكتب إليه عمر بن عبد العزيز : أن اسأله عن شرائع الإسلام ، [ ص: 34 ] فإن كان قد عرفها فاعرض عليه الإسلام ، فإن أبى فاضرب عنقه ، وإن كان لم يعرفها فغلظ عليه الجزية ودعه . عمر بن عبد العزيز
قال : وأخبرني قوم من أهل الجزيرة : أن قوما أسلموا ثم لم يمكثوا إلا قليلا حتى ارتدوا ؟ فكتب فيهم معمر إلى ميمون بن مهران فكتب عمر بن عبد العزيز : أن رد عليهم الجزية ودعهم . عمر بن عبد العزيز
وقد روي نحو هذا عن . عمر بن الخطاب
قال رحمه الله : وأما حديث أبو محمد فهو عليهم أعظم حجة ، لأن فيه تسوية النبي صلى الله عليه وسلم بين الإسلام والهجرة والحج في أن كل واحد منها يهدم ما قبله ، وهم لا يختلفون - ولا أحد نعلمه - في أن الحج لا يسقط حدا أصابه المرء قبل حجه ولم يتب منه ، ولم تطل مدته دونه ، فمن الباطل أن يتحكموا في حكم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيحملوا قوله عليه السلام { عمرو بن العاص } على أن الإسلام يسقط الحدود التي واقعها العبد قبل إسلامه ، ويجعل الحج لا يسقطها ، وكلا الأمرين جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجيئا واحدا ، وأن هذا الخبر ضد قولهم في هذه المسألة ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما أخبر أن الإسلام يهدم ما قبله ، وأن الهجرة تهدم ما قبلها ، وأن الحج يهدم ما قبله ، فقالوا هم : إن الردة إلى الكفر تهدم ما قبلها من الحدود الواجبة قياسا للكفر على الإسلام ، وأن الهجرة إلى الشيطان ، واللحاق بدار الكفر وأهل الحرب ، تهدم ما قبلها من الحدود ، قياسا على الهجرة إلى الله تعالى وإلى دار الإسلام ، وأن الحج لا يهدم ما قبله ؟ وهذا عين العناد والخلاف والمكابرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . إن الإسلام يهدم ما قبله
وأما حديث فإنه لم يتكلم قط في ذلك الخبر في ثبات الحدود أو سقوطها ، وإنما تكلم في المغفرة . عمر
وإذا قلنا : إن مغفرة الله تعالى للذنوب لا تسقط الحدود الواجبة في تلك الذنوب إلا حيث صح النص ، والإجماع بإسقاطها فقط ، وليس ذلك إلا في الحربي الكافر يبتدئ الإسلام فقط .
ونحن نقول : إن الإسلام والهجرة الصادقة إلى الله تعالى ورسوله عليه السلام [ ص: 35 ] وأن الحج المبرور يهدم ما قبله من الذنوب ، ومن صفة كل ما ذكرنا من الإسلام الحسن ، والهجرة الصادقة - والحج المبرور أن يتوب صاحب هذه الحال عن كل ذنب سلف قبله .
برهان ذلك : ما حدثنا به عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا نا البخاري نا خلاد بن يحيى سفيان بن منصور ، ، كلاهما عن والأعمش أبي وائل عن قال : { عبد الله بن مسعود } . قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال : من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر
قال رحمه الله : فحكم الإحسان في الإسلام هو التوبة من كل ذنب أسلفه أيام كفره ، وأما من أصر على معاصيه : فما أحسن في إسلامه بل أساء فيه ، وكذلك من لم يهجر ما نهى الله تعالى عنه ، فليس تام الهجرة - وكل حج أصر صاحبه على المعاصي فيه فلم يوف حقه من البر ، فليس مبرورا - وبالله تعالى التوفيق . أبو محمد