2189 - مسألة : ؟ قال هل يقيم السيد الحدود على مماليكه أم لا رحمه الله : اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : يقيم السيد جميع الحدود من القتل فما دونه على مماليكه أبو محمد
وقالت طائفة : يحد السيد مماليكه في الزنى ، والخمر ، والقذف ، ولا يحده في قطع ؟ قالوا : وإنما يحده إذا شهد عليه بذلك الشهود
وقالت طائفة : لا يحد السيد مملوكه في شيء من الأشياء ، وإنما الحدود إلى السلطان فقط
فالقول الأول : كما نا حمام نا نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي الدبري نا [ ص: 74 ] عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني أن نافع قطع يد غلام له سرق ، وجلد عبدا له زنى من غير أن يرفعهما ابن عمر
وبه - إلى عن عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال : إن جارية ابن عمر لحفصة سحرتها واعترفت بذلك ، فأخبرت بها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، فقتلها ، فأنكر ذلك عليها ؟ فقال له عثمان بن عفان : ما تنكر على أم المؤمنين امرأة سحرت فاعترفت ؟ فسكت ابن عمر عثمان
وبه - إلى عن عبد الرزاق عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن قال : أبق غلام نافع فمر على غلمة لابن عمر أم المؤمنين فسرق منهم جرابا فيه تمر ، وركب حمارا لهم فأتي به لعائشة فبعث به إلى ابن عمر - وهو أمير على سعيد بن العاص المدينة - فقال : لا يقطع غلام أبق ؟ فأرسلت إليه سعيد : إنما غلمتي غلمتك ، وإنما جاع ، وركب الحمار ليبلغ عليه ، فلا تقطعه ؟ قال : فقطعه عائشة ابن عمر
وعن إبراهيم النخعي أن قال : النعمان بن مقرن أمتي زنت ؟ قال : اجلدها ، قال : إنها لم تحصن ؟ قال : إحصانها إسلامها لابن مسعود
قال : أنا شعبة عن الأعمش إبراهيم بهذا ، وفيه : جلدها خمسين
وعن وغيره ، قالوا : إن الرجل يجلد مملوكته الحدود في بيته ، وأن عبد الله بن مسعود سأل النعمان بن مقرن قال : أمتي زنت ؟ قال : اجلدها خمسين ، قال إنها لم تحصن ؟ قال عبد الله بن مسعود : إحصانها إسلامها ابن مسعود
وعن نا ابن وهب : أن ابن جريج عمرو بن دينار أخبره : أن فاطمة بنت رسول الله كانت تجلد وليدتها خمسين إذا زنت
وعن : أنه كان يجلد ولائده خمسين إذا زنين أنس بن مالك
حدثنا حمام نا نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي الدبري نا نا عبد الرزاق نا ابن جريج عمرو بن دينار أن أخبره : أن الحسن بن محمد ابن الحنفية فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم جلدت أمة لها الحد زنت
وعن إبراهيم النخعي قال : كان ، علقمة والأسود يقيمان الحد على جواري قومهما [ ص: 75 ]
قال رحمه الله : وقد روي عن بعض من ذكرنا ، وغيرهم : جواز أبو محمد : كما نا عفو السيد عن مماليكه في الحدود حمام نا نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي الدبري نا عن رجل عن عبد الرزاق أخبرني عن سلام بن مسكين حبيب بن أبي فضالة أن صالح بن كريز حدثه أنه جاء بجارية له زنت إلى الحكم بن أيوب ، قال : فبينما أنا جالس إذ جاء فجلس فقال : يا أنس بن مالك صالح ما هذه الجارية معك ؟ قلت : جاريتنا بغت فأردت أن أرفعها إلى الإمام ليقيم عليها الحد ؟ قال : لا تفعل ، رد جاريتك ، واتق الله واستر عليها ؟ قلت : ما أنا بفاعل حتى أرفعها ، قال له : لا تفعل وأطعني ، قال أنس صالح : فلم يزل يراجعني حتى قلت له : أردها على أن ما كان علي من ذنب فأنت له ضامن ؟ فقال : نعم ، قال : فرددتها أنس
وعن في الأمة تزني ، قال : تجلد خمسين ، فإن عفا عنها سيدها فهو أحب إلينا ، قال إبراهيم النخعي : وبه نأخذ عبد الرزاق
قال رحمه الله : وهذان أثران ساقطان ، لأنهما عمن لم يسم وأما من فرق بين ذات الزوج وغير ذات الزوج أبو محمد
فكما نا حمام نا نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي الدبري نا عن عبد الرزاق عن معمر الزهري عن عن أبيه قال : في الأمة إذا كانت ليست بذات زوج فظهر منها فاحشة جلدت نصف ما على المحصنات من العذاب يجلدها سيدها فإن كانت من ذوات الأزواج رفع أمرها إلى الإمام سالم بن عبد الله بن عمر
وعن أنه قال : إحصان المملوكة أن تكون ذات زوج ، فيذكر منها فاحشة فلا يصدق عليها سيدها ، والزوج يذب عن ولده ، وعن رحمها ، وعن ما بيده ، فليس يقيم الفاحشة عليها إلا بشهادة أربعة ، ولا يقيم الحد عليها إذا ثبت إلا السلطان ، قال الله تعالى { ربيعة فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب }
وأما من فرق بين الجلد في الزنى ، والخمر ، والقذف ، وبين القطع في السرقة ، فهو قول ، مالك : وما نعلمه عن أحد قبلهما [ ص: 76 ] والليث
قال رحمه الله : فلما اختلفوا نظرنا في ذلك لنعلم الحق فنتبعه - بمن الله تعالى - فوجدنا أبو محمد ، وأصحابه ، يحتجون بما : ناه أبا حنيفة عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن عثمان نا نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز الحجاج بن المنهال نا عن حماد بن سلمة عن يحيى البكاء مسلم بن يسار عن أبي عبد الله - رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - قال : كان يأمرنا أن نأخذ عنه ، قال : هو عالم فخذوا عنه ، فسمعته يقول : الزكاة ، والحدود ، والفيء ، والجمعة ، إلى السلطان ابن عمر
وعن : أنه ضمن هؤلاء أربعا : الجمعة ، والصدقة ، والحدود ، والحكم الحسن البصري
وعن أنه قال : الحدود ، والفيء ، والزكاة ، والجمعة ، إلى السلطان ابن محيريز
قال رحمه الله : ما نعلم لهم شبهة غير هذا ، وكل هذا لا حجة لهم فيه ، لأنه ليس في شيء مما ذكروا : أن لا يقيم الحدود على المماليك ساداتهم ، وإنما فيه ذكر الحدود عموما إلى السلطان ، وهكذا نقول ، لكن يخص من ذلك حدود المماليك إلى ساداتهم بدليل - إن وجد أبو محمد
ثم أيضا - لو كان فيما ذكروه لما كانت فيه حجة ، لأنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال رحمه الله : وأما قول أبو محمد ، مالك ، في التفريق بين الجلد ، والقطع ، والقتل ، فلا نعلم لهم أيضا حجة أصلا ، ولا ندري لهم في هذا التفريق سلفا من صاحب ، ولا تابع ، ولا متعلقا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة ، ولا سقيمة ، ولعل بعضهم أن يقول : إن السيد له جلد عبيده وإمائه أدبا ، وليس له قطع أيديهم أدبا ، فلما كان الحد في الزنى ، والخمر ، والقذف جلدا كان ذلك للسادات ، لأنه حد ، وجلد والليث
قال رحمه الله : فهذا القول في غاية الفساد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبو محمد } فجلد الأدب هو غير جلد الحد بلا شك - وبالله تعالى التوفيق إنما [ ص: 77 ] الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى
ثم نظرنا في قول ، فوجدناه قولا لا تؤيده حجة ، لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة : أما قول ربيعة فإن للزوج أن ينوب عنها فحجة زائفة جدا ، وما جعل الله تعالى للزوج اعتراضا ، ولا ذبا فيما جاءت السنة بإقامته عليها ربيعة
وأما من رأى السيد يقيم جميع الحدود على مماليكه ، فنظرنا فيه فوجدنا : ما نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا عيسى بن حماد المصري عن الليث بن سعد سعيد بن أبي سعيد المقبري عن قال { أبي هريرة } : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ، ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت الثالثة فليبعها لو بحبل من شعر
وعن أيضا : أنا مسلم القعنبي أنا عن مالك ابن شهاب عن عبيد الله بن عتبة عن { أبي هريرة } أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ قال : إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم بيعوها ، ولو بضفير
قال ابن شهاب : والضفير - الحبل
قال ابن شهاب : لا أدري أبعد الثالثة ، أو الرابعة - والأخبار فيما ذكرنا كثيرة جدا
قال رحمه الله : ثم نتكلم - بعون الله تعالى - فيما ذكرنا في الأخبار المذكورة من أبو محمد ، فنقول : إن بيع الأمة التي تزني روى هذا الحديث عن الليث سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن : إن زنت الثالثة فليبعها - ولو بحبل من شعر - وهكذا رواه أبي هريرة عن عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر سعيد بن أبي سعيد أنه سمع [ ص: 78 ] أبا هريرة
وهكذا أيضا - رواه عن خالد بن الحارث ابن عجلان عن سعيد المقبري عن ، فلم يذكروا زناها المرة الثالثة جلدا ، بل ذكروا البيع فقط أبي هريرة
وعن أبي صالح عن أن يقام الحد عليها ثلاث مرات ، ثم تباع بعد الثالثة مع الجلد - وهكذا رواه أبي هريرة سفيان بن عيينة
قال : فوجب أن يلغى الشك ويستقر البيع بعد الثالثة مع الجلد - والطرق كلها في ذلك في غاية الصحة ، وكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو عن الله تعالى ، قال الله تعالى { علي وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } فإذ ذلك كذلك فأمره صلى الله عليه وسلم بالبيع في الثالثة ندب
برهان ذلك : أمره بالبيع في الرابعة لا يمكن ألبتة إلا هذا ، لأنه لو كان أمره صلى الله عليه وسلم في الثالثة فرضا لما أباح حبسها إلى الرابعة
وأما البيع في الرابعة ففرض لا بد منه ، لأن أوامره صلى الله عليه وسلم على الفرض لقول الله تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره } الآية
قال رحمه الله : ويجبره السلطان على بيعها أحب أم كره بما ينتهي إليه العطاء فيها ، ولا يتأتى بها طلب زيادة ، ولا سوق ، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع - ولو بحبل من شعر ، أو ضفير من شعر - إذا لم يوجد فيها إلا ذلك ، فإن زنت في خلال تعريضها للبيع ، أو قبل أن تعرض حدها أيضا ، لعموم أمره صلى الله عليه وآله وسلم بجلدها إن زنت - وكذلك إن غاب السيد أو مات ، فلا بد من بيعها على الورثة ضرورة - فإن كانت لصغار جلدها الولي أو الكافل ، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رواية أبو محمد عن مالك الزهري فاجلدوها ، فهو عموم لكل من قام به ، ولا يلزم البيع في العبد إذا زنى ، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما أمر بذلك الأمة إذا زنت { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى }
{ ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } وكذلك إن سرقت الأمة أو شربت الخمر ، فإنها تحد ولا يلزم بيعها ، لأن النص إنما جاء في زناها فقط { وما كان ربك نسيا }
قال رحمه الله : فلو أبو محمد لم ينفذ عتقه بل هو [ ص: 79 ] مردود ، لأنه مأمور ببيعها وإخراجها عن ملكه ، فهو في عتقه إياها ، أو كتابته لها ، أو هبته إياها ، أو الصدقة بها ، أو إصداقها ، أو إجارتها ، أو تسليمها في شيء بصفة غير البيع - مما شاء نقدا أو إلى أجل - بدنانير أو بدراهم : مخالف لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد قال عليه السلام { أعتقها السيد إذا تبين زناها } وكذلك لو دبرها فمات ، أو أوصى بها ، فكل ذلك باطل ، ولا بد من بيعها من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
قال رحمه الله : أبو محمد ، أو بإقرار المماليك ، أو صحة علمه ويقينه ، على نص قوله صلى الله عليه وسلم { ولا يجوز أن يقيم الحد السيد على مماليكه إلا بالبينة } ولا يطلق على إقامة الحدود على المماليك إلا أهل العدالة ، فقط من المسلمين فتبين زناها