( فصل في بيان أصول مسائل انتقال العدد ) اعلم بأن العادة نوعان : أصلية وجعلية فصورة أن ترى المرأة دمين وطهرين [ ص: 185 ] متفقين صحيحين على الولاء أو أكثر من ذلك وصورة العادة الأصلية أن ترى المرأة دمين وطهرين متفقين بينهما مخالف لهما أو ترى أطهارا مختلفة أو دماء مختلفة فينصب أوسط الأعداد لها عادة على قول من يقول بأوسط الأعداد وأقل المرتين على قول من يقول بأقل المرتين الأخيرتين فتكون هذه عادة جعلية لها في زمان الاستمرار سميت جعلية ; لأنه جعل عادة لها للضرورة ، ولم يوجد فيها دليل ثبوت العادة حقيقة فإن العادة الجعلية قال أئمة : رأت العادة الجعلية بعد العادة الأصلية بلخي رحمهم الله تعالى لا تنتقض به العادة الأصلية ; لأنها دونها .
والشيء لا ينقضه ما هو دونه إنما ينقضه ما هو مثله أو فوقه ; ولأن ما ثبت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة وقد تحققت الضرورة في إثبات عادة لها ، ولا ضرورة في نقض العادة التي كانت لها ، ومشايخ بخارى رحمهم الله تعالى يقولون : تنقض العادة الأصلية بالعادة الجعلية ; لأنه لا بد من التكرر في العادة الجعلية بخلاف ما كان في العادة الأصلية مثاله إذا كانت العادة الأصلية في الحيض خمسة لا تثبت الجعلية إلا برؤية ستة أو سبعة أو ثمانية فالتكرار فيها خلاف العادة الأصلية مرارا ; لأن سبعة وثمانية يتكرر فيها ستة فبالتكرار بخلاف العادة الأصلية ننتقض تلك العادة ولكن لكونها متفاوتة في نفسها تكون العادة الثانية جعلية لا أصلية ثم قد بينا أن العادة الأصلية لا تنتقض برؤية المخالف مرة واحدة إلا على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى حتى إذا فعلى قول كانت عادتها في الحيض خمسة ، وفي الطهر عشرين فطهرت خمسة عشر ثم استمر بها الدم أبي حنيفة رحمهما الله تعالى تصلي من أول الاستمرار خمسة تمام عادتها في الطهر ، وعلى قول ومحمد رحمه الله تدع من أول الاستمرار خمسة ، وقد انتقلت عادتها في الطهر إلى خمسة عشر بالرؤية مرة واحدة فأما العادة الجعلية تنتقض برؤية المخالف مرة واحدة وبالاتفاق ; لأنها أضعف من العادة الأصلية وثبوتها ما كان بسبب التكرار فكذلك انتقاضها لا يتوقف على وجود التكرار فيما يخالفها بخلاف العادة الأصلية ثم المبتدأة إذا رأت أطهارا مختلفة ودماء مختلفة فوقعت الحاجة إلى نصب العادة لها . أبي يوسف
فالبناء على أوسط الأعداد عند محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى ، وعلى أقل المرتين الأخيرتين عند أبي عثمان رحمه الله تعالى وصاحبة العادة والمبتدأة في هذا الحكم سواء ، وقد تكون عادة المرأة في الحيض والطهر جميعا أصلية وقد تكون جعلية فيهما وقد تكون أصلية في أحدهما جعلية في الآخر بحسب ما يتفق ، وذلك كله ينبني على معرفة الأطهار الصحيحة والدماء الصحيحة [ ص: 186 ] فالطهر الصحيح على الإطلاق أن لا ينتقص عن أدنى مدته ، وأن لا تصلي المرأة في شيء منه بالدم فإن صلت في أول يوم منه بالدم ثم كان الطهر بعده خمسة عشر أو أكثر فهذا صالح لجعل ما بعده من الدم حيضا غير صالح لنصب العادة به ، وإن صلت في شيء منه بالدم ثم كان الطهر بعده دون خمسة عشر ، فهو غير صالح لنصب العادة ، ولا يجعل ما بعده حيضا ، والدم الصحيح أن لا ينتقص عن أدنى مدته ، وأن يكون بين طهرين كاملين وبيان هذا أنه . لو كانت عادتها في الحيض عشرة وفي الطهر عشرين فرأت الدم أحد عشر يوما ثم طهرت خمسة عشر يوما ثم استمر بها الدم
فنقول : عشرة من أول ما رأت حيضها واليوم الحادي عشر أول طهرها فتصلي فيه بالدم ثم الطهر خمسة عشر فقد جاء الاستمرار وقد بقي من زمان طهرها أربعة فتصلي هذه الأربعة ثم تترك عشرة وتصلي عشرين ، وإن كان بعد طهر خمسة عشر رأت خمسة دما ثم طهرت خمسة عشر فهذه الخمسة تكون حيضا لها ; لأنه مرئي عقيب طهر خمسة عشر فيمكن جعله حيضا ، ولكن لا تنتقل عادتها في الطهر إلى خمسة عشر ; لأن الطهر الأول قد صلت في أول يوم منه بالدم فلا يصلح لنصب العادة ، ولو فإن الخمسة لا تجعل حيضا لها ; لأنها غير مرئية عقيب طهر كامل بل بتلك الخمسة يتم طهرها ثم طهرت خمسة عشر فعشرة من ذلك مدة حيضها لم تر فيه ثم جاء الاستمرار ، وقد بقي من طهرها خمسة عشر فتصلي من أول الاستمرار خمسة عشر ثم تدع عشرة وتصلي عشرين . كانت رأت الدم أحد عشر ثم الطهر أربعة عشر ثم الدم خمسة ثم الطهر خمسة عشر ثم استمر