الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( فصل ) في بيان البدل على قول محمد رحمه الله تعالى صاحبة العادة المعروفة إذا لم تر في أيامها ما يصلح أن يكون حيضا ، ورأت بعد أيامها ما يصلح أن يكون حيضا فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يتوقف حكم ما رأت على ما ترى في المرة الثانية فإن رأت في موضع عادتها تبين أن ما سبق لم يكن حيضا ، وإن رأت في الشهر الثاني مثل ما رأت في الشهر الأول تبين أن ما سبق كان حيضا وانتقلت عادتها ، وكان لا يجوز الإبدال ; لأن في الإبدال إبهام نقل العادة بالمرة الواحدة ، وذلك لا يجوز فأما محمد قال : إذا رأت بعد أيامها ما يمكن أن يجعل حيضا جعل حيضا بدلا عن أيامها إذا أمكن الإبدال والإمكان بأن يبقى إلى موضع حيضها الثاني بعد الإبدال أقل مدة الطهر ، وذلك خمسة عشر يوما أو أكثر سواء كان الطهر خالصا أو فيه استمرار فإن كان الباقي بعد الإبدال من طهرها دون خمسة عشر نظر .

فإن أمكن أن يجر من موضع حيضها الثاني ما يضم إلى ما في الطهر فيكون ذلك خمسة عشر ، ويبقى بعد الجر من موضع حيضها الثاني ما يمكن أن يجعل حيضا يبدل لها أيضا ، وإن كان الباقي دون ذلك فحينئذ لا يبدل لها وتصلي إلى موضع حيضها الثاني ; لأن الحيض مبني على الإمكان ، والإمكان موجود إذا بقي بعد الإبدال مدة طهر تام أو أمكن تتميمه بالجر ; لأن عادة المرأة لا تبقى على صفة واحدة ولكنها تتقدم تارة ، وتتأخر أخرى وكان أبو حفص الكبير ومحمد بن مقاتل يقولان بالبدل على قول محمد رحمه الله تعالى بطريق الطرح لا بطريق الجر وبيانه إذا كان الباقي بعد الإبدال أقل من خمسة عشر يوما فإن أمكن أن يطرح من أيام البدل ما يضم إلى باقي الطهر فيتم خمسة عشر يوما ويبقى من موضع البدل ما يمكن أن يجعل حيضا يبدل لها ، وإن كان الباقي دون ذلك لا يبدل لها وقالا : هذا الوجه أولى ; لأن التغيير فيه في موضع واحد وفي الجر التغيير في موضعين وجواز التغيير لأجل الضرورة فإذا كان يرتفع ذلك بالمرة لا يجوز إثباته في موضعين وعدد البدل دون عدد الأصل وبيانه في التيمم مع الوضوء وكان أبو زيد الكبير وأبو يعقوب الغزالي يقولان بالبدل إذا كان [ ص: 177 ] يبقى بعد الإبدال إلى موضع حيضها الثاني خمسة عشر يوما فإن كان الباقي دون ذلك لا يبدل لها ; لأن إثبات البدل ليكون الدم المرئي بين طهرين تامين فإذا وجد بهذه الصفة يبدل لها وإلا فلا .

وبيانه من المسائل امرأة عادتها في الحيض خمسة وطهرها عشرون طهرت مرة اثنين وعشرين يوما ثم استمر بها الدم يجعل حيضها من أول الاستمرار ثلاثة ; لأنها رأت في أيامها ما يمكن أن يجعل حيضا فإن طهرت ثلاثة وعشرين ثم استمر بها الدم فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تصلي إلى موضع حيضها الثاني ، وذلك اثنان وعشرون يوما وعند محمد رحمه الله تعالى يبدل لها خمسة من أول الاستمرار ; لأن الباقي بعد الإبدال إلى موضع حيضها الثاني سبعة عشر يوما ، وكذلك إن طهرت أربعة وعشرين يوما أو خمسة وعشرين ثم استمر بها الدم فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تصلي إلى موضع حيضها الثاني ، وذلك اثنان وعشرون يوما ، وعند محمد رحمه الله تعالى يبدل لها خمسة من أول الاستمرار ; لأن الباقي بعد الإبدال إلى موضع حيضها الثاني سبعة عشر يوما .

وكذلك إن طهرت أربعة وعشرين يوما أو خمسة وعشرين واستمر بها الدم يبدل لها خمسة ; لأن الباقي بعد خمسة عشر يوما فتدع خمسة وتصلي خمسة عشر ثم تدع خمسة وتصلي عشرين فإن طهرت ستة وعشرين يوما ثم استمر بها الدم فعلى قول أبي زيد وأبي يعقوب لا يبدل لها ; لأن الباقي بعد الإبدال أربعة عشر يوما ، ولكنها تصلي من أول الاستمرار تسعة عشر يوما ثم تدع خمسة وتصلي عشرين وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يبدل لها خمسة ; لأن الإبدال بطريق الجر ممكن فيجر من موضع حيضها الثاني يوما إلى بقية طهرها ليتم خمسة عشر فتدع من أول الاستمرار خمسة بطريق البدل ثم تصلي خمسة عشر ثم تدع أربعة ثم تصلي عشرين ثم تدع خمسة وتصلي عشرين ، وعلى قول أبي حفص ومحمد بن مقاتل رحمهما الله تعالى يبدل لها بطريق الطرح فتدع من أول الاستمرار أربعة ثم تصلي خمسة عشر ثم تدع خمسة وتصلي عشرين وكذلك إن طهرت سبعة وعشرين ثم استمر بها الدم ، فهو في التخريج كما بينا ، وإن طهرت ثمانية وعشرين ثم استمر بها الدم لا يبدل لها بالاتفاق ; لأن بعد الإبدال يبقى من الطهر اثنا عشر فإن جررت إليه ثلاثة لا يبقى من موضع حيضها الثاني ما يمكن أن يجعل حيضا .

وإن ضممت من أيام البدل ثلاثة لا يبقى ما يمكن أن يجعل حيضا فلا يبدل لها ولكنها تصلي إلى موضع حيضها الثاني ، وذلك سبعة عشر يوما ثم تدع خمسة وتصلي عشرين وكما يجوز الإبدال بعد أيامها عند [ ص: 178 ] محمد رحمه الله تعالى يجوز قبل أيامها بشرط أن يكون دما عقيب طهر صحيح لا استمرار فيه حتى إذا صلت في شيء من الطهر المتقدم بالدم لا يبدل لها قبل أيامها .

بيانه : امرأة حيضها خمسة وطهرها عشرون طهرت خمسة عشر ثم رأت خمسة دما ثم طهرت أيامها فعند محمد رحمه الله تعالى تجعل الخمسة المتقدمة حيضها بدلا عن أيامها ، ولو طهرت أربعة عشر ثم رأت ستة دما ثم طهرت أيامها لم يبدل لها شيء من المتقدم ; لأنها صلت في يوم منه بالدم ، وهو اليوم الخامس عشر ، وعند محمد رحمه الله تعالى يبدل لها مثل أيامها أو أقل من أيامها بقدر الممكن ، ولا يجوز أن يبدل لها أكثر من أيامها إلا بشرط أن يكون بين طهرين صحيحين لا استمرار فيها ; لأن الحاجة إلى جعل الزيادة حيضا ابتداء فما لم يكن مرئيا بين طهرين صحيحين لا يمكن جعله حيضا ابتداء فإن أمكن الإبدال قبل أيامها ، وبعد أيامها يبدل لها قبل أيامها ; لأنه أسرعهما إمكانا وبيانه إذا كانت عادتها في الحيض ثلاثة ، وفي الطهر سبعة وعشرون فطهرت خمسة عشر يوما ثم رأت الدم ثلاثة ثم طهرت اثني عشر يوما ثم رأت الدم فإنها لم تر في أيامها شيئا فتبدل لها الثلاثة التي رأتها بعد خمسة عشر ; لأنها مرئية بعد طهر صحيح فكان إمكان البدل فيه قائما فلهذا يبدل لها تلك الثلاثة دون ما رأته بعد أيامها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

التالي السابق


الخدمات العلمية