باب البشارة ( قال ) رضي الله عنه وإذا عتق الأول دون الثاني ; لأن الأول بشير والآخر مخبر فإن البشير من يخبره بما غاب عنه علمه فتتغير عند سماعه بشرة وجهه ، وإنما وجد هذا من الأول دون الثاني . قال : أي غلماني بشرني بكذا فهو حر فبشره بذلك واحد ثم آخر
وإن بشروه معا عتقوا ; لأن كل واحد منهم أخبره بما غاب عنه علمه فالعلم بالمخبر به يتعقب الخبر ولا يقترن به ، والدليل على أن البشارة تتحقق من الجماعة قوله تعالى وبشروه بغلام حليم .
ولو بعث أحد غلمانه مع رجل بالبشارة فقال : إن غلامك يبشرك بكذا عتق ; لأن عبارة الرسول كعبارة المرسل فالبشير هو المرسل والرسول مبلغ قال الله تعالى { إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح } وإنما سمعت من رسل الله صلوات الله عليهم وهم الملائكة ثم كان بشارة من الله تعالى لها ، وكذلك لو كتب به إليه كتابا ; لأن البيان بالكتاب كالبيان باللسان ، فإن قال : نويت المشافهة لم يعتق ; لأنه نوى حقيقة كلامه فإن البشارة إنما تكون حقيقة منه إذا سمعه بعبارته [ ص: 19 ] وإذا قال : أي غلماني أخبرني بكذا فالأول والثاني والكاتب والمرسل يعتقون جميعا ; لأن الخبر متحقق منهم فقد يخبر المرء بما هو معلوم له كما يخبر بما غاب عنه علمه إلا أن يعني المشافهة فتعمل نيته ; لأنه حقيقة كلامه وقع في بعض نسخ الأصل التسوية بين الأخبار والإعلام ، والمراد أن الإعلام يحصل بالكتاب والرسول كالأخبار فأما الإعلام لا يكون من الثاني بعد الأول ; لأن الإعلام إيقاع العلم بالخبر وذلك لا يتكرر بخلاف الأخبار ، ألا ترى أن الرجل يقول : أخبرني بهذا غير واحد ولا يقول أعلمني غير واحد ؟
وإذا قال : أي غلماني حدثني فهو على المشافهة بمنزلة قوله : كلمني ، ألا ترى أنا نقول : أخبرنا الله بكذا بكتابه أو على لسان رسوله ، ولا نقول : حدثنا الله ولا كلمنا الله ؟
وإن حلف إن علم بمكان فلان ليخبرنك به ثم علما جميعا فلا بد من أن يخبره ليبر ; لأن الإخبار يتحقق ، وإن كان المخبر به معلوما له ، ولو قال : ليعلمنك به لم يحنث في قول أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وهو حانث في قول ومحمد رحمه الله ; لأنهما إذا علما جميعا به فما هو شرط بره وهو الإعلام فائت فهو بمنزلة قوله : لأشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه أبي يوسف