وعن رضي الله عنهما قال { ابن عباس : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم لمستهل الشهر وأقام عليها أربعين يوما وفتحها يعني الطائف في صفر } وفي هذا دليل على أنه لا بأس بالقتال في الشهر الحرام فإن المحاصرة من القتال وقد روي أنه نصب المنجنيق على الطائف ففعله بيان أن ما كان من حرمة قد انتسخ ، وكان القتال في الأشهر الحرم رحمه الله يقول ذلك ليس بمنسوخ ولسنا نأخذ بقوله في ذلك بل بما روي عن الكلبي رحمه الله قال : النهي عن القنال في الأشهر الحرم منسوخ نسخه قوله تعالى { مجاهد اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } . وقد بينا أن سورة براءة من آخر ما نزل فانتسخ به ما كان من الحكم في قوله تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } الآية .
( فإن قيل ) كيف يستقيم دعوى النسخ بهذه الآية وقد قال الله تعالى { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } الآية .
( قلنا ) : المراد به مضي مدة الأمان الذي كان لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى كما قال { فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } ووافق مضي ذلك انسلاخ الأشهر الحرم والدليل على نسخ حرمة القتال في الأشهر الحرم قوله تعالى { منها أربعة حرم } إلى قوله { فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة [ ص: 27 ] كما يقاتلونكم كافة } قيل معناه لا تظلموا فيهن أنفسكم بالامتناع من قتال المشركين ليجترئوا عليكم بل قاتلوهم كافة لتنكسر شوكتهم وتكون النصرة لكم عليهم وفيما ذكر من الأخبار في الأصل عن رضي الله عنه عمن شهد المشاهد قال { الزبير بني قريظة فقال : من كانت له عانة فاقتلوه ومن لم تكن له عانة فخلوا عنه فكنت ممن لا عانة له فخلي عني } قلت : وما من أحد إلا وله عانة فالعانة في اللغة الموضع الذي ينبت عليه الشعر ولكن المراد من نبت الشعر على ذلك الموضع منه وجعل اسم الموضع كناية عنه وبه يستدل : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم رحمه الله تعالى فإنه يجعل نبات الشعر دليل البلوغ ولسنا نقول به لاختلاف أحوال الناس فيه فنبات الشعر في مالك الهنود يسرع وفي الأتراك يبطئ . وتأويل الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف من طريق الوحي أن نبات الشعر في أولئك القوم يكون عند البلوغ أو أراد تنفيذ حكم رضي الله عنه فإنه كان من حكمه بأن يقتل منهم من جرت عليه الموسى لعلمه أنه كان من المقاتلة فيهم . سعد بن معاذ