الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا أراد الحربي المستأمن أن يرجع إلى دار الحرب لم يترك أن يخرج معه كراعا وسلاحا أو حديدا أو رقيقا اشتراهم في دار الإسلام مسلمين أو كفارا كما لا يترك تجار المسلمين ليحملوا إليهم هذه الأشياء ، وهذا لأنهم يتقوون بها على المسلمين ، ولا يجوز إعطاء الأمان له ليكتسب به ما يكون قوة لأهل الحرب على قتال المسلمين ، وفي العبيد لا إشكال ; لأنهم مسلمون وأهل الذمة فلا يترك أن يدخل بهم ليعودوا حربا للمسلمين ، ولا يمنع أن يرجع بما جاء به من هذه الأشياء ; لأنه كان معه في دار الحرب فبإعادته لا يزدادون قوة لم تكن لهم بخلاف ما اشتراه في دار الإسلام ، ولأنا أمناه على ما في يده من المال ، وكما لا يمنع هو من الرجوع للوفاء بذلك الأمان فكذلك لا يمنع من أن يرجع بما جاء به .

فإن كان جاء بسيف فباعه ، واشترى مكانه قوسا أو رمحا أو ترسا لم يترك أن يخرج به مكان سيفه [ ص: 92 ] لأن معنى القوة يختلف باختلاف الأسلحة ، فإنما قصد بما صنع أن يزداد قوة علينا ، ولأنه قد يكثر فيهم نوع من أنواع الأسلحة ، ويعز نوع آخر خير فيقصدون تحصيل ذلك لهم بهذا الطريق ، وكذلك إذا استبدل بسيفه سيفا آخر خيرا منه ; لأن بتلك الزيادة يزدادون قوة ، ولم يكن استحق ذلك حين أمناه فيمنع من تحصيل تلك الزيادة ، ولا يمكن منعه من ذلك إلا بأن يمنع من إدخاله هذا السيف بأصله دارهم ، وإن كان هذا السيف مثل الأول أو شرا منه لم يمنع أن يدخل به ; لأنه بمنزلة الأول إذ ليس فيه زيادة قوة لهم ، وجنس المنفعة واحد فكما لو أعاد الأول إلى دار الحرب لم يمنع منه فكذلك إذا أعاد مثله ، وله أن يخرج بما شاء من الأمتعة سوى ما ذكرنا كما للتاجر المسلم أن يحمل إليهم ما شاء من سائر الأمتعة للتجارة وللشافعي رحمه الله تعالى قول أنه يمنع من ذلك أيضا ; لأنهم يزدادون قوة بما يحمل طعاما كان أو ثيابا أو سلاحا ، ولكنا نستدل بما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إلى أبي سفيان رضي الله عنه تمر عجوة حين كان بمكة حربيا ، واستهداه أدما } { ، وبعث بخمسمائة دينار إلى أهل مكة حين قحطوا لتفرق بين المحتاجين منهم } ، ولأن بعض ما يحتاج إليه المسلمون من الأدوية وغيرها يحمل من دار الحرب ، فإذا منعنا تجار المسلمين من أن يحملوا إليهم ما سوى السلاح فهم يمنعون ذلك أيضا ، وفيه من الضرر ما لا يخفى .

التالي السابق


الخدمات العلمية