وإن لم يفعل ذلك إلا أن يكون في ذلك [ ص: 88 ] خير للمسلمين ; لأنهم بهذه الموادعة لا يلتزمون أحكام الإسلام ، ولا يخرجون من أن يكونوا أهل حرب ، وقد بينا أن ترك القتال مع أهل الحرب لا يجوز إلا أن يكون خيرا للمسلمين ، فإذا رأى الإمام منفعة في ذلك فصالحهم ، فإن كان قد أحاط مع الجيش ببلادهم فما يأخذ منهم يكون غنيمة يخمسها ، ويقسم ما بقي بينهم ; لأنه توصل إليها بقوة الجيش فهو كما لو ظهر عليهم بالفتح ، فإن لم ينزل مع الجيش بساحتهم ، ولكنهم أرسلوا إليه ، وادعوه على هذا فما يأخذ منهم ، بمنزلة الجزية لا خمس فيها بل يصرف مصارف الجزية ، وإن وقع الصلح على أن يؤدوا إليهم كل سنة مائة رأس ، فإن كانت هذه المائة الرأس يؤدونها من أنفسهم وأولادهم لم يصح هذا لأن الصلح وقع على جماعتهم فكانوا جميعا مستأمنين ، واسترقاق المستأمن لا يجوز . أراد قوم من أهل الحرب من المسلمين الموادعة سنين معلومة على أن يؤدي أهل الحرب الخراج إليهم كل سنة شيئا معلوما على أن لا تجري أحكام الإسلام عليهم في بلادهم
ألا ترى أن واحدا منهم لو باع ابنه بعد هذا الصلح لم يجز ، وكذلك لا يجوز تمليك شيء من نفوسهم وأولادهم بحكم تلك الموادعة ; لأن حريتهم تأكدت بها .