( قال ) وجميع باطل إن لحق بدار الحرب ، وقسم الإمام ماله ، والحاصل أن تصرفات المرتد أربعة أنواع نوع منها نافذ بالاتفاق ، وهو الاستيلاد حتى إذا جاءت جاريته بولد فادعى نسبه ثبت النسب منه ، وورث هذا الولد مع ورثته ، وكانت الجارية أم ولد له ; لأن حقه في ملكه أقوى من حق الأب في جارية ولده ، واستيلاد الأب صحيح فاستيلاد المرتد أولى ; لأنها موقوفة على حكم ملكه حتى إذا أسلم كانت مملوكة له ، وحقه فيها أقوى من حق المولى في كسب المكاتب ، وهناك يصح منه دعوة النسب فههنا أولى إلا أن هناك يحتاج إلى تصديق المكاتب لاختصاصه بملك اليد والتصرف ، وههنا لا يحتاج إلى تصديق الورثة ; لأنه لم يثبت لهم ملك اليد والتصرف في الحال ، ومنها ما هو بالاتفاق باطل في الحال كالنكاح والذبيحة ; لأن الحل بهما يعتمد الملة ، ولا ملة للمرتد فقد ترك ما كان عليه ، وهو غير مقر على ما اعتمده ، ومنها ما هو موقوف بالاتفاق ، وهو المفاوضة ، فإنه إذا شارك غيره شركة مفاوضة توقف صفة المفاوضة بالاتفاق ، وإن اختلفوا في توقف أصل الشركة ، ومنها ما هو مختلف فيه ، وهو سائر تصرفاته عند ما فعل المرتد في حال ردته من بيع أو شراء أو عتق أو تدبير أو كتابة رحمه الله تعالى يتوقف بين أن ينفذ بالإسلام أو يبطل إذا مات أو قتل على الردة أو لحق بدار الحرب وعندهما نافذ إلا أن أبي حنيفة رحمه الله تعالى يقول ينفذ كما ينفذ من الصحيح حتى يعتبر تبرعاته من جميع المال ، وعند أبا يوسف رحمه الله تعالى ينفذ كما ينفذ من المريض [ ص: 105 ] وحجتهما في ذلك أنه من أهل التصرف لاقى تصرفه ملكه فينفذ ، وبيان ذلك أن التصرف قول ، والأهلية له باعتبار قوله شرعا ، ولا ينعدم ذلك بالردة ، والمالكية باعتبار صفة الحرية ، ولا ينعدم ذلك بالردة إنما تأثير ردته في إباحة دمه ، وذلك لا يحصل بالمالكية كالمقضي عليه بالرجم والقصاص ، والدليل عليه أن تصرف المكاتب بعد الردة نافذ بالاتفاق ، وحال الحر في التصرف فوق حال المكاتب ، فإذا كانت الردة لا تنافي ملك اليد الذي ينبني عليه تصرف المكاتب حتى ينفذ تصرفه ، فلأن لا ينافي ملك الحر وتصرفه أولى إلا أن محمد رحمه الله تعالى قال : هو مشرف على الهلاك فيكون بمنزلة المريض في التصرف . محمدا
ألا ترى أن زوجته ترثه بحكم الفرار ، وذلك لا يتحقق إلا في المريض رحمه الله تعالى يقول : هو متمكن من دفع الهلاك عن نفسه بسبب يستحق عليه مرغوب فيه فلا يصير في حكم المريض ، كمن قصد أن يلقي نفسه من شاهق جبل لا يصير به في حكم المريض يوضحه أن المقضي عليه بالرجم والقصاص لا يصير كالمريض ما دام في السجن لتمكنه من دفع الهلاك عن نفسه بادعاء شبهة فالمرتد أولى ، وأبو يوسف يقول : بالردة يزول ملكه عن المال ، وكان موقوفا على العود إليه بالإسلام ، وتصرفه بحكم الملك فيتوقف بتوقف الملك ، ودليل الوصف أن المالكية عبارة عن القدرة والاستيلاء ، وإنما يكون ذلك حكما باعتبار العصمة . وأبو حنيفة
ألا ترى أن الشرع جعل عصمة النفس والمال بسبب واحد ثم عصمة نفسه تزول بالردة حتى يقتل ، فكذلك عصمة ماله ، والدليل عليه أنه هالك حكما ، وإذا كان الهلاك حقيقة ينافي مالكية المال ، ولا ينافي توقف المال على حقه ، كالتركة المستغرقة بالدين ، فكذلك الهلاك الحكمي ، ولأن تأثير الردة في نفي المالكية فوق تأثير الرق ، فإن الرق ينافي مالكية المال ، ولا ينافي مالكية النكاح ، والردة تنافيهما ، وهذا بخلاف المقضي عليه بالقصاص والرجم ، فهناك لم يزل ما به عصمة المال والنفس ، وإنما استحق عليه نفسه بما هو من حقوق تلك العصمة فيبقى مالكا حقيقة لبقاء عصمة ماله ، وقد انعدم ههنا ما به كانت العصمة في حق النفس فكذلك في حق المال ; لأنها تابعة للنفس في العصمة ، وبخلاف المكاتب فإن تصرفه باعتبار عقد الكتابة ، والردة لا تؤثر فيه .
ألا ترى أن الهلاك الحقيقي لا يمنع بقاء الكتابة فالهلاك الحكمي أولى ، ولهذا نفذ تصرف المكاتب بعد لحاقه بدار الحرب ، وههنا بالاتفاق لا ينفذ تصرفه في ماله بعد لحاقه بل يتوقف فكذلك قبل لحاقه ; لأن الهلاك بردته لا بلحاقه ، وكذلك التوريث باعتبار ردته على ما قررنا [ ص: 106 ] أنه يستند التوريث إلى أول الردة ليكون فيه توريث المسلم من المسلم ، والدليل عليه أنه بالردة صار حربيا ، ولهذا يقتل ، والحربي المقهور في أيدينا يتوقف تصرفه كالمأسورين إلا أن هناك توقف حالهم بين الاسترقاق والقتل والمن ، وههنا بين القتل والإسلام ، ثم توقف تصرفهم هناك لتوقف حالهم فكذلك ههنا .