وإذا أهل الذمة العهد ، وغلبوا على مدينة فالحكم فيها كالحكم في المرتدين إلا أن للإمام أن يسترق رجالهم بخلاف المرتدين ; لأنهم كفار في الأصل ، وإنما كانوا لا يسترقون لكونهم من أهل دارنا ، وقد بطل ذلك حين نقضوا العهد ، وصارت دارهم دار الحرب ، فأما المرتدون كانوا مسلمين في الأصل فلا يقبل منهم إلا السيف أو الإسلام ، وكذلك إن رجع الذين كان نقضوا العهد إلى الصلح والذمة قبل ذلك منهم بخلاف المرتدين ; لأنهم لما نقضوا العهد التحقوا بالحربيين ، وأهل الحرب إذا انقادوا للذمة قبل ذلك منهم بخلاف المرتدين ، والأصل أن من جاز استرقاقه جاز إبقاؤه على الكفر بالجزية ; لأن القتال ينتهي بكل واحد من الطريقين ، وفيه منفعة للمسلمين ، ثم إذا عادوا إلى الذمة أخذوا بالحقوق التي كانت قبل نقض الذمة عليهم من القصاص والمال لبقاء نفوسهم وذممهم على ما كانت قبل نقض العهد ، ونقض العهد كان عارضا ، فإذا انعدم صار كأن لم يكن ، ولم يؤخذوا بما أصابوا في المحاربة ; لأنهم أهل حرب حين باشروا السبب ، وقد بينا أن أهل الحرب لا يضمنون ما أتلفوا من النفوس والأموال في حال حربهم إذا تركوا المحاربة بالإسلام أو الذمة ، وكذلك المرتدون في هذا هم بمنزلة نقض قوم من أهل الذمة ; لأن القصاص المستحق عليهم عقوبة ثابتة لحق المسلم والردة ، ونقض العهد لا ينافيهما ، وإن تعذر استيفاؤها لقصور يد صاحب الحق عمن عليه ، والمال كذلك ، فإذا تمكن من الاستيفاء كان له أن يستوفي حقه .