( قال ) ، ولكن يدعون إلى الإسلام ، فإن أسلموا ، وإلا قوتلوا ، وتسترق نساؤهم وذراريهم ، ولا يجبرون على الإسلام ، وهم في ذلك بمنزلة المرتدين إلا في حكم الإجبار على الإسلام ، فإن نساء المرتدين وذراريهم كانوا مسلمين في الأصل فيجبرون على العود ، وأما النساء والذراري [ ص: 118 ] من مشركي ولا يقبل من مشركي العرب الصلح والذمة العرب ما كانوا مسلمين في الأصل فلا يجبرون على الإسلام ، ولكنهم يسترقون { بأوطاس ، وقسمهم } ، وقد بينا أن ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم سبى النساء ، والذراري رضي الله عنه سبى النساء والذراري من أبا بكر بني حنيفة ، فإذا جاز ذلك في المرتدين ففي مشركي العرب أولى ، وأما الرجال منهم لا يسترقون عندنا ، وعلى قول رحمه الله تعالى يسترقون ; لأن المعنى الذي لأجله جاز الاسترقاق في حق سائر الكفار موجود في حق مشركي الشافعي العرب ، وهو منفعة للمسلمين في عملهم وخدمتهم ، ولأن الاسترقاق إتلاف حكمي ، ومن جاز في حقه الإتلاف الحقيقي من الكفار الأصليين يجوز الإتلاف الحكمي بطريق الأولى ; لأن فيه تحقيق معنى العقوبة بتبديل صفة المالكية بالمملوكية ، وهو الأليق بحال كل كافر ، فإنهم لما أنكروا وحدانية الله تعالى عاقبهم على ذلك بأن جعلهم عبيد عبيده ، وهكذا كان ينبغي في المرتدين إلا أن قتل المرتد على ردته حد فقلنا لا يترك إقامة الحد لمنفعة المسلمين ، ولأن حريته كانت متأكدة بالإسلام فلا يحتمل النقض بالاسترقاق ، وذلك لا يوجد في حق مشركي العرب ( وحجتنا ) في ذلك قوله تعالى { تقاتلونهم أو يسلمون } قيل معناه إلى أن يسلموا ، والآية فيمن كان يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم عبدة الأوثان من العرب فدل أنهم يقتلون إن لم يسلموا .
وقال صلى الله عليه وسلم : { لا رق على عربي } ، وقال يوم أوطاس { لو جرى رق على عربي لكان اليوم ، وإنما هو القتل أو الإسلام } ، وظاهر قوله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا } يدل على تحريم الاسترقاق كما يدل على المنع من المفاداة ; لأن المقصود بكل واحد منهما ابتغاء عرض الدنيا ، ولأنه لا يقبل منهم عقد الذمة بالاتفاق ، والاسترقاق والذمة يتقاربان في المعنى ; لأن في كل واحد من الأمرين إبقاء الكافر على كفره لمنفعة المسلمين في ذلك من مال أو عمل ، وفي الجزية معنى الصغار ، والعقوبة في حقهم كما في الاسترقاق بل أظهر ، والاسترقاق ثابت في حق النساء والصغار ، والجزية لا تجب إلا على الرجال البالغين ، فإذا لم يجز إبقاء عبدة الأوثان من العرب على الشرك بالجزية فكذلك بالاسترقاق ، وقد بينا أنهم في تغلظ جنايتهم كالمرتدين ، فكما لا يسترق المرتدون فكذلك عبدة الأوثان من العرب ، بخلاف سائر المشركين وأهل الكتاب من العرب حكمهم حكم غيرهم من أهل الكتاب حتى يجوز استرقاقهم ، وأخذ الجزية منهم ; لأنهم ليسوا من العرب في الأصل ، وإن توطنوا في أرض العرب بل هم في الأصل من [ ص: 119 ] بني إسرائيل ، ولئن كانوا في الأصل من العرب فجنايتهم في الغلظ ليست كجناية عبدة الأوثان فإن أهل الكتاب يدعون التوحيد ، ولهذا تؤكل ذبائحهم ، وتجوز مناكحة نسائهم بخلاف عبدة الأوثان ، والأصل فيه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من يهود تيماء ، ووادي القرى ، وكذلك من بهز ، وتنوخ ، وطيء رضي الله عنه أراد أن يوظف الجزية على نصارى وعمر بني تغلب ثم صالحهم على الصدقة المضعفة ، وقال هذه جزية فسموها ما شئتم ، وكانوا من العرب .