وإذا وقعت الموادعة بينهم فأعطى كل واحد من الفريقين رهنا على أنه أيهما غدر فقتل الرهن فدماء الآخرين لهم حلال ، فغدر أهل البغي ، وقتلوا الرهن الذين في أيديهم  لم ينبغ لأهل العدل أن يقتلوا الرهن الذين في أيديهم ، ولكنهم يحبسونهم حتى يهلك أهل البغي أو يتوبوا ; لأنهم صاروا آمنين فينا ، إما بالموادعة أو بأن أعطيناهم الأمان حين أخذناهم رهنا ، وإنما كان الغدر من غيرهم فلا يؤاخذون بذنب الغير قال الله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى    } ولكنه لا يخلي سبيلهم ; لأنه يخاف فتنتهم ، وإن يعودوا إلى فئتهم فيحاربون أهل العدل ، فلهذا حبسوا إلى أن يتفرق جمعهم ، وكذلك إن كان هذا الصلح بين المسلمين والمشركين فغدر المشركون حبس رهنهم في أيدي المسلمين حتى يسلموا ، وإن أبوا فهم ذمة المسلمين يوضع عليهم الجزية ; لأنهم حصلوا في أيدينا آمنين فلا يحل قتلهم بغدر كان من غيرهم ، ولكنهم احتبسوا في دارنا على التأبيد ; لأنهم كانوا راضين بالمقام في دارنا إلى أن يرد علينا رهننا ، وقد فات ذلك حين قتلوا رهننا فقلنا : إنهم يحتبسون في دارنا على التأبيد ، والكافر لا يترك في دارنا مقيما إلا بجزية فتوضع عليهم الجزية إن لم يسلموا ، ويحكى أن الدوانيقي  كان ابتلي بهذا الصلح مع أهل الموصل  ، ثم إنهم غدروا فقتلوا رهنه فجمع العلماء ليستشيرهم في رهنهم فقالوا يقتلون كما شرطوا على أنفسهم ، وفيهم  أبو حنيفة  رحمه الله تعالى ساكت فقال له : ما تقول . قال : ليس لك ذلك فإنك شرطت لهم مالا يحل ، وشرطوا لك ما لا يحل {، وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل   } { ولا تزر وازرة وزر أخرى    } فاغلظ عليه القول ، وأمر بإخراجه من عنده ، وقال : ما دعوتك لشيء إلا أتيتني بما أكره ثم جمعهم من الغد ، وقال قد تبين لي أن الصواب ما قلت فماذا نصنع بهم قال : سل العلماء فسألهم فقالوا : لا علم لنا بذلك قال  أبو حنيفة  رحمه الله تعالى توضع عليهم الجزية فقال : لم وهم لا يرضون بذلك قال : لأنهم رضوا بالمقام في دارنا إلى أن يرد علينا رهننا ، وقد تحقق فوت ذلك فكانوا راضين بالمقام في دارنا على التأبيد ، والكافر إذا رضي بذلك توضع عليه الجزية فاستحسن قوله واعتذر إليه ورده إلى بيته بمحمل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					