ومن المختلط الذي هو منفصل الأجزاء مسألة الموتى إذا وهي تنقسم ثلاثة أقسام أيضا : فإن اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار فإنه يصلى عليهم ويدفنون في مقابر المسلمين لأن الحكم للغالب والغالب موتى المسلمين ، إلا أنه ينبغي لمن يصلي عليهم أن ينوي بصلاته المسلمين خاصة لأنه لو قدر على التمييز فعلا كان عليه أن يخص المسلمين بالصلاة عليهم فإذا عجز عن ذلك كان له أن يخص المسلمين بالنية لأن ذلك في وسعه والتكليف بحسب الوسع ونظيره ما لو كانت الغلبة لموتى المسلمين فعلى من يرميهم أن يقصد المشركين وإن كان يعلم أنه يصيب المسلم ، وإن تترس المشركون بأطفال المسلمين لا يصلى على أحد منهم إلا من يعلم أنه مسلم بالعلامة لأن الحكم للغالب والغلبة للكفار هنا ، وإن كانا متساويين فكذلك الجواب لأن كان الغالب موتى الكفار لا تجوز بحال قال الله تعالى { الصلاة على الكافر ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } ، ويجوز ترك الصلاة على بعض المسلمين كأهل البغي وقطاع الطريق ، [ ص: 199 ] فعند المساواة يغلب ما هو الأوجب وهو الامتناع عن الصلاة على الكفار ، ولا يجوز المصير إلى التحري هنا عندنا لما بينا أن العمل بغالب الرأي في موضع الضرورة ولا تتحقق الضرورة هنا وذكر في ظاهر الرواية ، أنهم يدفنون في مقابر المشركين لأن في حكم ترك الصلاة عليه جعل كأنهم كفار كلهم فكذلك في حكم الدفن هذا قول رحمه الله تعالى ، فأما على قول محمد رحمه الله ينبغي أن يدفنوا في مقابر المسلمين مراعاة لحرمة المسلم منهم ، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى أبي يوسف لا يجوز بحال . ودفن المسلم في مقابر المشركين
وقيل : بل يتخذ لهم مقبرة على حدة لا من مقابر المسلمين ولا من مقابر المشركين فيدفنون فيها ، وأصل هذا الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم في نظير هذه المسألة وهو أن فإنه لا يصلى عليها لكفرها ثم تدفن في مقابر المشركين عند النصرانية إذا كانت تحت مسلم فماتت وهي حبلى علي رضي الله عنهما ، ومنهم من يقول : تدفن في مقابر المسلمين لأن الولد الذي في بطنها مسلم ، ومنهم من يقول : يتخذ لها مقبرة على حدة ، فهذا مثله وهذا كله إذا تعذر تمييز المسلم بالعلامة ، فإن أمكن ذلك وجب التمييز ، ومن العلامة للمسلمين الختان والخضاب ولبس السواد ، فأما الختان فلأنه من الفطرة كما قال صلى الله عليه وسلم { وابن مسعود } إلا أن من : عشر من الفطرة وذكر من جملتها الختان أهل الكتاب من يختتن فإنما يمكن التمييز بهذه العلامة إذا اختلط المسلمون بقوم من المشركين يعلم أنهم لا يختتنون ، وأما الخضاب فهو من علامات المسلمين قال صلى الله عليه وسلم { باليهود } وكان : غيروا الشيب ولا تتشبهوا رضي الله عنه يختضب بالحناء والكتم حتى قال الراوي رأيت أبو بكر الصديق رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحيته كأنها ضرام عرفج واختلفت الرواية في أن النبي صلى الله عليه وسلم هل فعل ذلك في عمره ؟ والأصح أنه لم يفعل ، ولا خلاف أنه ابن أبي قحافة ليكون أهيب في عين قرنه ، وأما لا بأس للغازي أن يختضب في دار الحرب فقد منع من ذلك بعض العلماء رحمهم الله تعالى والأصح أنه لا بأس به ، هو مروي عن من اختضب لأجل التزين للنساء والجواري رحمه الله تعالى قال : كما يعجبني أن تتزين لي يعجبها أن أتزين لها ، وأما السواد من علامات المسلمين جاء في الحديث { أبي يوسف مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء } وقال صلى الله عليه وسلم { أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل : إذا لبست أمتي السواد فابغوا الإسلام } ومنهم من روى فانعوا والأول أوجه فقد صح { رضي الله عنه بانتقال الخلافة إلى أولاده بعده وقال : من علاماتهم لبس السواد العباس } ، والكفار لا يلبسون السواد فإن أمكن التمييز بشيء من هذه العلامات وجب المصير إليها كما إذا أمكن معرفة جهة القبلة بشيء من العلامات وجب المصير إليها عند الاشتباه أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 200 ] بشر