، ولو ، فالإقرار باطل أما إذا هددوه بما يخاف منه التلف ، فهو ملجأ إلى الإقرار محمول عليه ، والإقرار خبر متميل بين الصدق ، والكذب ، فإنما يوجب الحق باعتبار رجحان جانب الصدق ، وذلك ينعدم بالإلجاء ، وكذلك إن هددوه بحبس ، أو قيد ; لأن الرضا ينعدم بالحبس ، والقيد بما يلحقه من الهم ، والحزن به ، وانعدام الرضا يمنع ترجيح جانب الصدق في إقراره ، ثم قد بينا أن الإكراه نظير الهزل ، ومن هزل بإقراره لغيره ، وتصادقا على أنه هزل بذلك لم يلزمه شيء ، فكذلك إذا أكره عليه فإن قيل : لماذا لم يجعل هذا بمنزلة شرط الخيار ؟ ، وشرط الخيار يمنع صحة الإقرار قلنا لا كذلك بل متى صح شرط الخيار مع الإقرار بالمال لا يجب المال حتى لو قال : كفلت لفلان عن فلان بألف درهم على أني بالخيار لا يلزمه المال . هددوه بقتل ، أو إتلاف عضو ، أو بحبس ، أو قيد ليقر لهذا الرجل بألف درهم فأقر له به
فأما إذا أطلق الإقرار بالمال ، وهو خبر عن الماضي ، فلا يصح معه شرط الخيار ، والإكراه هنا متحقق ، فإنما يعتبر بموضع يصح فيه اشتراط الخيار ، وهذا بخلاف ما تقدم من تناول الحرام ; لأن المؤثر هناك الإلجاء ، وذلك ما يخاف منه التلف ، وهنا المانع من وجوب المال انعدام الرضا بالالتزام ، وقد انعدم الرضا بالإكراه ، وإن كان بحبس ، أو قيد قال رحمه الله : القيد كره ، والوعيد كره ، والضرب كره ، والسجن كره ، وقال شريح رضي الله عنه : ليس الرجل على نفسه بأمين إذا ضربت ، أو بغيت ، أو جوعت أي هو ليس بطائع عند خوف هذه الأشياء ، وإذا لم يكن طائعا كان مكرها ، ولو عمر كان الإقرار جائزا ; لأنه لا يصير مكرها بهذا القدر من الحبس ، والقيد ، فالجهال قد يتهازلون به فيما بينهم ، فيحبس الرجل صاحبه يوما ، أو بعض يوم ، أو يقيده من غير أن يغمه ذلك ، وقد يفعل المرء ذلك بنفسه فيجعل القيد في رجله ، ثم يمشي تشبيها بالمقيد أرأيت لو قالوا له لنطرقنك طرقة ، أو لنسمنك ، أو لتقرن به - أما كان إقراره جائزا ، والحد في الحبس الذي هو إكراه في هذا ما يجيء منه الاغتمام البين ، وفي الضرب الذي هو إكراه ما يجد منه الألم الشديد ، وليس في ذلك حد لا يزاد على ذلك ، ولا ينقص منه ; لأن نصب المقادير بالرأي لا يكون . توعدوه بضرب سوط واحد ، أو حبس يوم ، أو قيد يوم على الإقرار بألف ، فأقر به
، ولكن ذلك على قدر [ ص: 52 ] ما يرى الحاكم إذا رفع ذلك إليه ، فما رأى أنه إكراه أبطل الإقرار به ; لأن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس ، فالوجيه الذي يضع الحبس من جاهه تأثير الحبس ، والقيد يوما في حقه ، فوق تأثير حبس شهر في حق غيره ، فلهذا لم تقدر فيه بشيء ، وجعلناه موكولا إلى رأي القاضي ليبني ذلك على حال من ابتلي به . .