الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا كان العبد وامرأته مكاتبين كتابة واحدة فولدت ولدا ، ثم قتله الأب فعليه قيمته للأم ; لأن الولد دخل في كتابتها ، فإنه جزء منها يتبعها في الرق والحرية فكذلك بدل الرقبة ، وكذلك في الكتابة . وجناية الأب على الولد كجناية أجنبي آخر ، ولو قتله أجنبي آخر كان عليه قيمته للأم ; لأن بدل الرقبة بمنزلة الكسب وكسب الولد للأم دون الأب فكذلك بدل الرقبة ، وكذلك لو أديا فعتقا ، فإنه لا يسقط عنه شيء من ذلك ; لأنه واجب عليه لها وبالعتق يتأكد حقها قبله ، وكذلك لو قتل الابن أباه كان الضمان في قيمته ; لأنه صار مكاتبا للمولى تبعا لأمه فجنايته على أبيه كجناية مكاتب آخر فيلزمه السعاية في قيمته وليس على الأم من ذلك شيء وليس عليه من بدل الكتابة شيء ; لأنه تبع للأم في الكتابة .

فإن أدت الأم عتقوا جميعا وكانت القيمة الواجبة عليه ميراثا عن الأب بمنزلة سائر أكسابه ، ولو لم يقتل الولد الأب ولكن الأم قتلت الولد لم يلزمها شيء ; لأن الولد جزء منها ، ولو قتله غيرها كانت القيمة واجبة لها ، فإذا كانت هي الذي قتلته لو وجبت القيمة وجبت لنفسها على نفسها وذلك لا يجوز ، وكذلك لو قتل الولد الأم فليس عليه بسبب الجناية شيء ; لأنه جزء منها فجنايته عليها كجنايته على نفسه إلا أنه يلزمه الكتابة بمنزلة ما لو كانت الأم باقية ولأنه قائم مقامها ، فإن الكتابة تبقى بموتها حتى يؤدي البدل فعليه أن يسعى فيما كانت الأم تسعى فيه ، وإن قتل الأب الولد كان عليه الأقل من قيمته ومن قيمة أبيه بسبب جنايته وليس عليه من بدل الكتابة شيء ; لأنه ما كان داخلا في كتابة أبيه فلا يقوم مقامه بعد موته والأم حية تسعى في الكتابة فلا حاجة للولد إلى السعاية فيما على أبيه ، فإن أدت الأم جميع الكتابة عتقا جميعا والسعاية الواجبة على الولد بجنايته على الأب تكون ميراثا عنه تأخذ الأم حصتها فما أدت عنه بمنزلة كسب آخر يخلفه الأب وما بقي هو ميراث لورثة الأب ليس لهذا الولد منه شيء ; لأنه قاتل إلا أن يكون صغيرا فحينئذ لا يحرم الميراث بقتله عندنا ، وقد بينا هذا في الديات وإن حرمان الميراث بسبب القتل إنما يثبت في حق من ينسب إلى تقصير في التحرز وذلك لا يتحقق في حق الصبي والمجنون ولأن حرمان الميراث جزاء الفعل المحظور وذلك ينبني على الخطاب فلا يثبت في حق الصبي ، وعند الشافعي الصبي بمنزلة البالغ في حرمان الميراث بسبب القتل كما هو بمنزلة البالغ في الكفارة على مذهبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية