ص ( وانتفاع به لا كمحرم أشرف ) ش لما فرغ من الكلام على الشرط الأول من شروط المعقود عليه أتبعه بالكلام على الشرط الثاني فقال وانتفاع يعني أنه فيجوز بيع المنتفع به لا ما لا منفعة فيه فلا يجوز العقد به ، ولا عليه ، والدليل على ذلك ما تقدم من أنه من أكل المال بالباطل ، وذلك كمحرم الأكل إذا أشرف على الموت ، واعلم أن الأعيان على قسمين : الأول ما لا منفعة فيه أصلا فلا يصح العقد به ، ولا عليه لما تقدم بل لا يصح ملكه كما صرح به يشترط في المعقود عليه أن يكون منتفعا به المازري وابن شاس والقرافي ، ومثله بالخشاش ، ومثله البساطي بالخفاش ، وبعض العصافير التي لو جمع منها مائة لم يتحصل منها أوقية لحم ، وذلك داخل في كلام القرافي أو قريب منه الثاني ما له منفعة ، وهو على ثلاثة : أقسام الأول ما كان جميع منافعه محرمة ، وهو كالذي لا منفعة فيه لا يصح بيعه ، ولا تملكه إن كان مما نهى الشارع عنه كالخمر ، والميتة والدم ولحم الخنزير ; لأن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا ، ومثله القرافي بالخمر ، والمطربات المحرمة إلا عند من أجاز تخليل الخمر فإنه سهل في إمساكها ليخللها
وقال في المتيطية : ومن فسخ البيع ، وأدب أهله انتهى . الثاني ما كان جميع منافعه محللة فيجوز بيعه إجماعا كالثوب والعبد ، والعقار ، وشبه ذلك قاله اشترى من آلة اللهو شيئا كالبوق ، وغيره ، ويصح ملكه إلا أن يتعلق بتلك المنفعة حق الآدمي كالحر فإنه أحق بنفسه أو حق لله كالمساجد والبيت الحرام فلا يصح ملك ذلك ، ولا بيعه ، وقد يمنع تعلق حق الآدمي البيع دون الملك كأم الولد والمعتق إلى أجل والوقف ، ونحو ذلك الثالث ما فيه منافع محللة ، ومنافع محرمة قال المازري : فهو المشكل على الأفهام ، ومزلة الأقدام ، وفيه ترى العلماء [ ص: 264 ] مضطربين وأنا أكشف عن سره ليهون عليك اختلافهم فإن كان جل المنافع والمقصود منها محرما ، والمحلل منها تبعا فواضح إلحاقه بالقسم الأول ، ويمكن تمثيل ذلك بالزيت النجس فإن جل منافعه كالأكل ، والادهان ، وعمله صابونا والإيقاد في كل موضع ممنوع منه على المشهور إنما فيه إيقاده في غير المساجد ، وانتفاع غير الآدمي منه ، وذلك في حكم التبع فامتنع بيعه ، وفي أواخر كلام المازري تمثيله لذلك بشحم الميتة قال : فالمقصود الذي هو الأكل حرام ، وإن كان فيه بعض المنافع محللة عند من يجيز استعمال ذلك في بعض المواضع قال : ويلحق بهذا المعنى بياعات الغرر ; لأنه قد لا يحصل البيع فتصير المعاوضة على غير منتفع به ، ويلحق بالقسم الأول الذي لا منفعة فيه أصلا لكن ذلك عدم المنفعة فيه تحقيقا ، وفي هذا تقديرا ، وتجويزا ، والله أعلم . المازري
وإن كان جل المنافع ، والمقصود منها محللا ، والمحرم تبع فواضح إلحاقه بالثاني ، ويمكن تمثيله بالزبيب ، ونحوه مما يمكن أن يعمل منه الخمر والله أعلم .
وإن كانت منافعه المقصودة منها ما هو محلل ومنها ما هو محرم أو فيه منفعة محرمة مقصودة ، وسائر منافعه محللة قال : فهذا هو المشكل ، وينبغي أن يلحق بالممنوع ; لأن كون هذه المنفعة المحرمة مقصودة يؤذن بأن لها حصة من الثمن ، وأن العقد اشتمل عليها كما اشتمل على ما سواها ، وهو عقد واحد لا سبيل إلى تبعيضه والتعاوض على المحرم ممنوع فمنع الكل لاستحالة التمييز ، ولأن الباقي من المنافع يصير ثمنه مجهولا لو قدر جواز انفراده انتهى . وجزم المازري ابن شاس بأن المنافع المقصودة إذا كان بعضها محللا وبعضها محرما لم يصح البيع ونصه ، وإن توزعت يعني المنافع المقصودة في النوعين لم يصح البيع ; لأن ما يقابل ما حرم منها من أكل المال بالباطل ، وما سواه من بقية الثمن يصيره مجهولا ، وهذا التعليل يطرد في كون المحرم منفعة واحدة مقصودة كما يطرد في كون المنافع بأسرها محرمة ، وهذا النوع ، وإن امتنع بيعه لما ذكر من الوجهين فملكه صحيح لينتفع مالكه بما فيه من منافع مباحة انتهى . وعدم صحة البيع ظاهر أيضا ثم قال المازري ابن شاس : فرع لو تحقق وجود منفعة محرمة ، ووقع الالتباس في كونها مقصودة فمن الأصحاب من يقف في جواز البيع ، ومنهم من يكره ، ولا يحرم انتهى . وقال : بأثر كلامه المتقدم وربما وقع في هذا النوع مسائل تشكل على العالم فيخلط المسألة بعين فكرته فيرى المنفعة المحرمة ملتبسا أمرها هل هي مقصودة أم لا ويرى ما سواها من المنافع المقصودة محللة فيمتنع من التحريم لأجل كون المقصود من المنافع محللا ، ولا ينشط لإطلاق الإباحة لأجل الإشكال في تلك المنفعة هل هي مقصودة أم لا فيقف هنا المتورع ، ويتساهل آخر ويقول بالكراهة للالتباس ، ولا يحرم فاحتفظ بهذا الأصل فإنه من مذهبات العلم ، ومن أتقنه علما هان عليه جميع مسائل الخلاف الواردة في هذا الباب وأفتى ، وهو على بصيرة في دين الله انتهى . والله أعلم . المازري
واحترز المؤلف بقوله أشرف مما إذا بيع قبل أن يشرف فإنه يجوز بيعه ، ولو كان مرضه مخوفا على الأصح كما يفهم ذلك من قول المصنف ، وحامل مقرب والمراد بكونه أشرف أنه بلغ حد السياق كما قال : ولا يباع من في السياق ، واحترز بقوله محرم من مباح الأكل فإنه يباع ليذكى فيجوز بيعه لوجود المنفعة قاله ابن الحاجب ابن عبد السلام : ونقله عنه في التوضيح ، وتبعه في هذا المختصر ، وقال ابن عرفة : قلت وظاهر إطلاقاتهم ، ونص ابن محرز منع بيع من في السياق ولو كان مأكول اللحم للغرر في حصول الغرض من حياته أو صيرورته لحما ، وفي حصول ذكاته لاحتمال عدم حركته بعد ذبحه وهو يرد قول ابن عبد السلام يجوز ذلك في مأكول اللحم انتهى . فالصواب في إطلاق في قوله ، ولا يباع من في السياق ، وهو أحسن [ ص: 265 ] من تقييد ابن الحاجب المصنف بكونه محرما تبعا لابن عبد السلام كما قاله ابن عرفة ، وقد ذكر ابن غازي كلام ابن عرفة وهو ظاهر ، والله أعلم .
وقول الشارح ، وقيل يجوز بيعه ، ولو محرما مشرفا لا أعرفه ، والله أعلم .