الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( أو مستقبل محقق )

                                                                                                                            ش : ابن عرفة وفيها إن أتى أجل طلاقها بعد أن تزوجها لم تطلق عليه ، انتهى . وقاله في التوضيح ( فرع ) قال ابن القاسم فيمن قال لامرأته أنت طالق إذا قدم الحاج أنها تطلق الساعة ; لأنه أجل آت وحمل الكلام على الزمن لا على القدوم كما هو المذهب أيضا في البيع إلى قدوم الحاج ، انتهى من ابن عبد السلام عند قول ابن الحاجب فإن قال بعد قدوم زيد بشهر طلقت عند قدومه ونقل المسألة في النوادر عن ابن القاسم في المجموعة .

                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن عرفة : ومن قال إذا مات فلان فأنت طالق ، لزمه الطلاق مكانه وفي الواضحة عن مطرف وأصبغ إذا خسفت الشمس أو مطرت السماء لزمه الطلاق بكلامه ; لأنه أجل آت ابن حارث .

                                                                                                                            أنت طالق إلى مستهل الهلال أو إلى وقت يأتي على كل حال فهي طالق وقت قوله اتفاقا وسمع ابن القاسم في العدة أن ناسا اختلفوا فيمن طلق إلى أجل سماه وأن عطاء كان يقول ذلك ، فقال مالك : لا أقول له ولا لغيره هذه المدينة دار النبي صلى الله عليه وسلم ودار الهجرة فما ذكروا أن المطلق إلى أجل يتمتع بامرأته إلى ذلك الأجل فإنا لم ندرك أحدا من علماء الناس قاله وهذا شبيه المتعة ابن رشد قياسه ذلك على المتعة صحيح واستدلاله بأنه الذي عليه أهل المدينة دليل على أن إجماعهم عنده حجة فيما طريقه الاجتهاد والذي عليه أهل التحقيق أن إجماعهم إنما هو حجة فيما طريقه التوقيف أو إن الغالب منه أنه عن توقيف كنفي زكاة الخضراوات والأذان ، انتهى .

                                                                                                                            وقال في النوادر في ترجمة الطلاق إلى أجل ، قال ابن سحنون عن أبيه فيمن قال لزوجته أنت طالق في شهر كذا أو إلى شهر كذا فهو سواء وهو طلاق إلى أجل وتطلق الساعة ، انتهى .

                                                                                                                            وما قاله في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب وكذلك إن لم أطلقك رأس الشهر ألبتة فأنت طالق ألبتة أنه ينجز عليه ألبتة لأن إحدى البتتين عند رأس الشهر لا بد منها ; لأنه إن طلقها ألبتة فواضح وإلا وقعت البتة المعلقة فكان بمنزلة من قال : أنت طالق رأس الشهر ألبتة وقد تقدم أن من علق الطلاق مثل هذا يعجل عليه ، انتهى .

                                                                                                                            ( فائدة لطيفة ) : تتعلق بالكلام على تعليق الطلاق بشهر ، قال القرافي في الفرق الثالث : أنشد بعض الفضلاء :

                                                                                                                            ما يقول الفقيه أيده الله ولا زال عنده الإحسان


                                                                                                                            في فتى علق الطلاق بشهر     قبل ما قبل قبله رمضان

                                                                                                                            واعلم أن هذا البيت من نوادر الأبيات وأشرفها معنى وأدقها فهما وأعذبها استنباطا لا يدرك معناه إلا العقول السليمة والأفهام المستقيمة والأفكار الدقيقة من أفراد الأذكياء وآحاد الفضلاء والنبلاء بسبب أنه بيت واحد وهو مع صعوبة معناه ودقة مغزاه يشتمل على ثمانية أبيات في الإنشاء بالتغيير والتقديم والتأخير بشرط استعمال الألفاظ في حقائقها دون مجازاتها مع التزام صحة الوزن على القانون العربي اللغوي وكل بيت مشتمل على مسألة من الفقه في التعاليق الشرعية والألفاظ اللغوية وتلك المسألة صعبة المغزى وعرة المرتقى ثم قال : هذا تقرير البيت على هذه الطريقة من التزام [ ص: 69 ] الحقيقة والوزن .

                                                                                                                            وأما على خلافهما من التزام المجاز وعدم الوزن بأن يكون الكلام نثرا فتصير المسائل والأجوبة تسعمائة مسألة وعشرين مسألة من المسائل الفقهية والتعاليق اللغوية ثم ذكر في آخر كلامه كيفية وصول ذلك إلى العدد المذكور ، وقال بعده : وإن زدت في لفظ البعد أو القبل وصل الكلام إلى أربعين ألف مسألة وأكثر على حسب الزيادة فتأمل ذلك فهو من طرف الفضائل والفضلاء والأذكياء والنبهاء ، وقال إثر كلامه السابق : وقد وقع هذا البيت لشيخنا الإمام الصدر العالم جمال الفضلاء رئيس زمانه في العلوم وسيد وقته في التحصيل جمال الدين الشيخ أبي عمرو يعني ابن الحاجب بأرض الشام وأفتى فيه وتفنن وأبدع فيه ونوع لقوله تعالى وقدس روحه الكريمة وها أنا قائل لك لفظه الذي وقع بفصه ونصه ثم أذكر لك بعد ذلك ما وهب الله تعالى لي من فضله من أمور لم يتعرض لها الشيخ ينبغي زيادتها وإيضاحها ثم ذكر جواب ابن الحاجب الذي في أماليه بلفظه .

                                                                                                                            ثم ذكر ما ظهر له فيه وأطال الكلام في ذلك بنحو الثلاث ورقات ثم قال في آخر كلامه : وتقريب أجوبة المسائل أن تعلم أن جميع الأجوبة الثمانية منحصرة في أربعة أشهر طرفان وواسطة فالطرفان جمادى الأخير وذو الحجة والواسطة شوال وشعبان وتقريب ضبطها أن جميع البيت إن كان قبل فالجواب بذي الحجة أو بعد فالجواب جمادى الأخيرة أو ترك من قبل وبعد فمتى وجدت في الأخير قبل بعده أو بعد قبله فالشهر مجاوز لرمضان فإن كل شهر قبل بعده أو بعد قبله فالكلمة الأولى إن كانت حينئذ قبل فهو شوال لأن المعنى قبله رمضان أو بعد فهو شعبان لأن التقدير بعده رمضان وهذا إن اجتمع آخر البيت قبل .

                                                                                                                            وبعد فإن اجتمع قبلان أو بعدان وفيهما مخالف لهما ففي البعدين شعبان وفي القبلين شوال فشوال ثلاثة وشعبان ثلاثة فهذه الستة هي الواسطة بين جمادى وذي الحجة ، انتهى كلامه باختصار لفظه وتقديم وتأخير وما ذكره من أن البيت المذكور يشتمل على ثمانية أبيات وكل بيت على مسألة وأن الثمانية الأجوبة منحصرة في الأربعة الأشهر المذكورة إنما هو بالتقديم والتأخير وقبل وبعد كما أشار إلى ذلك في كلامه المتقدم فالأول هو ما أنشده القرافي .

                                                                                                                            وهو قوله بشهر موصوف بأن ما قبل قبله رمضان والجواب هو ذو الحجة لأن تقدير الكلام بشهر موصوف بأن الذي قبل قبله أي ذلك الشهر الذي علق عليه الطلاق رمضان وهذا الشهر هو أحد الطرفين الثاني بشهر بعد ما بعد بعده رمضان والجواب هو جمادى الأخيرة لأن تقدير الكلام علق الطلاق على شهر موصوف بأن الذي بعد بعده أي ذلك الشهر رمضان وهذا الشهر هو الطرف الثاني الثالث بشهر قبل ما بعد بعده رمضان والجواب هو شعبان لأن القاعدة في ذلك أن كل ما اجتمع فيه منها قبل وبعد فالغهما لأن كل شهر حاصل بعدما هو قبله وحاصل قبل ما هو بعده فلا يبقى حينئذ بعده إلا رمضان فيكون شعبان أو قبله رمضان فيكون شوال وعلى هذا يتخرج ما فيه قبل .

                                                                                                                            وبعد وهذان الشهران أعني شعبان وشوالا هما الواسطة ويتكرران ثلاث مرات كما تقدم بيانه الرابع بشهر قبل ما بعد قبله رمضان والجواب هو شوال بناء على القاعدة التي قبله الخامس بشهر بعد ما قبل بعده رمضان والجواب هو شعبان لأن المعنى بعده رمضان وهو شعبان السادس بشهر بعد ما بعد قبله رمضان والجواب هو شعبان أيضا لأن المعنى بعده رمضان وهو شعبان السابع بشهر بعد ما قبل قبله رمضان والجواب هو شوال لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال الثامن بشهر قبل ما قبل بعده رمضان والجواب هو شوال أيضا لأن المعنى قبله رمضان أيضا ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية