الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( فمن باع لأجل ثم اشتراه بجنس ثمنه من عين وطعام وعرض فإما نقدا أو للأجل أو أقل أو أكثر بمثل الثمن أو أقل أو أكثر يمنع منها ثلاث وهي ما عجل فيه الأقل ) ش لما ذكر - رحمه الله - موجب فساد هذه البيوع بالإجمال شرع يذكر الممنوع منها من غير الممنوع على سبيل التفصيل ولذا أتى بالفاء في قوله فمن باع لأجل والمعنى أن من باع شيئا يعرف بعينه من ذوات القيم لأجل ثم اشتراه بائعه من مشتريه وسواء غاب عليه مشتريه أم لم يغب فإما أن يكون اشتراه بجنس ثمنه أو بغير جنسه فإن كان بغير جنسه فسيأتي ويريد وبنوعه وصفته فإن اختلف شيء من ذلك فسيأتي حكمه .

                                                                                                                            وقوله من عين وطعام وعرض بيان للثمن المبيع به والمشترى به والقصد أن هذه المسائل التي يذكرها هي فيما إذا كان الثمن الثاني موافقا للأول من كل وجه كما إذا باعه بدراهم واشتراه بدراهم من نوعها وسكتها أو باعه بذهب واشتراه بذهب من نوعه وسكته أو باعه بطعام واشتراه بطعام من صنفه وصفته أو باعه بعرض واشتراه بعرض بصفته فإذا علم ذلك فإما أن يكون اشتراه بائعه الأول نقدا أو اشتراه للأجل نفسه أو اشتراه لأجل أقل من الأجل الأول أو اشتراه لأجل أكثر من الأجل الأول فهذه أربع صور وفي كل صورة إما أن يشتريه بمثل الثمن الأول أو يشتريه بثمن أقل من الثمن الأول أو يشتريه بثمن أكثر من الثمن الأول .

                                                                                                                            فهذه ثلاث صور في كل صورة من الصور الأربع فاضرب ثلاثا في أربع يحصل من ذلك اثنا عشر صورة يمنع منها ثلاث ويجوز تسع والجائزة ما لم يعجل فيه الأقل وهي ما إذا اشتراه بمثل الثمن أو أكثر نقدا أو إلى أجل دون الأجل هذه أربع واشتراه إلى الأجل نفسه سواء كان بمثل الثمن أو أقل أو أكثر ما لم يشترط عدم المقاصة كما سيأتي أو اشتراه لأبعد من الأجل بمثل الثمن أو أقل والممنوعة هل ما تعجل فيه الأقل وهي ما إذا اشتراه بأقل نقدا أو إلى أجل دون الأجل وبأكثر لأبعد يريد ما لم يشترط المقاصة كما سيأتي والمعجل للأقل في الأوليين البائع الأول وفي الثانية هو البائع الثاني ولذا قال المصنف عجل بالبناء للمفعول والتهمة في ذلك الخوف من سلف بمنفعة قال في الجواهر وأصل هذا الباب اعتبار ما خرج من اليد وما عاد إليها فإن جاز التعامل عليه مضى وإلا بطل فإن كان المبيع ثوبا مثلا أو غيره فاجعله ملغيا كأنه لم يقع فيه عقد ولا وقع فيه ملك واعتبر ما خرج من اليد خروجا مستقرا انتقل الملك به وما عاد إليها وقابل أحدهما بالآخر .

                                                                                                                            فإن وجدت في ذلك وجها محرما لو أقر بأنهما عقدا عليه لفسخت عقدهما فامنع من هذا البيع لما تقدم من وجوب حماية الذرائع وإن لم تجد أخرت البياعات ثم تنهم مع إظهار القصد إلى المباح وتمنع وإن ظهر القصد إليه حماية أن يتوصلا أو غيرهما إلى الحرام ويريد ما لم تبعد التهمة جدا فلا يلتفت إليها كما تقدم وكذا أجاز أن يشتري سلعة بأكثر من الثمن الأول نقدا أو إلى أجل دون الأجل أو بأقل لا أبعد مع أنه لا يجوز أن يسلف لشخص اثني عشر ليأخذ عنها عشرة ; لأن

                                                                                                                            [ ص: 393 ] أمرها صار إلى السلف لكن لما كان القصد إلى هذا أعني دفع الكثير ليأخذ عنها قليلا بعيدا لم يتهما على ذلك وحمل أمرهما على ما ظهر من صورة البيع الجائز .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) قولنا شيئا يعرف بعينه من ذوات القيم احتراز مما إذا كان المبيع من المثليات وسيأتي حكمه في كلام المؤلف .

                                                                                                                            ( الثاني ) قوله للأجل احتراز مما إذا كانت البيعة الأولى نقدا واعلم أن البيعتين إما أن يكونا نقدا أو إلى أجل أو الأولى نقدا والثانية إلى أجل أو بالعكس فإن كانتا نقدا حمل أمرهما على الجواز ولا يتهمان في شيء من ذلك باتفاق إلا أن يكونا من أهل العينة فيتهمان باتفاق قاله ابن عرفة وعزاه لظاهر نقل المازري وعياض وغيرهما فإن كان أحدهما من أهل العينة فذكر اللخمي عن أصبغ في كتاب محمد أنهما من أهل العينة ; لأن الآخر يعامله عليها قال اللخمي يريد أن لا يكون الثاني من أهل الدين والفضل فلا يحمل على أنه عامله عليها ولم يذكر خلافه .

                                                                                                                            وذكر ابن عرفة كلام اللخمي قال وتبعه المازري ونقل ابن محرز قول أصبغ كأنه المذهب ولم يعزه له ولم يقيده بشيء ونقله عنه صاحب الذخيرة ولم يذكر خلافه وظاهر كلامه في التوضيح أن هذا قول ضعيف كما سيأتي في كلامه فإن كانتا مؤجلتين قال ابن بشير فيتهم سائر الناس

                                                                                                                            وقال ابن عرفة اتفاقا ولو لم يكن أحدهما من أهل العينة فإن كانت الأولى مؤجلة فقال اللخمي وابن بشير وابن عرفة وغيرهم حكمهما حكم ما إذا كانتا مؤجلتين وإن كانت الأولى نقدا والثانية لأجل فذكر اللخمي والمازري قولين وقال ابن بشير وتبعه ابن الحاجب : المشهور أنه لا يتهم إلا أهل العينة والشاذ اتهام سائر الناس فإن كانت الأولى نقدا لم يتهم على المشهور إلا أهل العينة فيهما وقيل أو في أحدهما فشرحه في التوضيح قال ابن عبد السلام وأما إذا كانا معا نقدا فلا يتهم إلا أهل العينة باتفاق ، وقوله فيهما أو أحدهما يعني أنه إذا لم يتهم إلا أهل العينة فلا بد أن يكون المتبايعان من أهلهما وقد يكتفى بأحدهما وهو لمحمد ثم ذكر توجيه اللخمي وتقييده إياه فظاهره تضعيف قول أصبغ مع أن ابن رشد وغيره لم يحك خلافه كما تقدم ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث ) قولنا ثم اشتراه بائعه يريد سواء اشتراه بنفسه أو وكل غيره قال اللخمي وإن وكل البائع أجنبيا واشتراها له بأقل لم يجز وفسخ ا هـ ، وسواء علم الوكيل بأن السلعة باعها موكله أم لا سواء علم البائع أنه وكيل المشتري أم لا قاله في سماع عيسى من كتاب السلم والآجال ، والله أعلم .

                                                                                                                            وقال في المدونة وإن بعت سلعة بثمن إلى أجل لم يجز أن يشتريها عبدك المأذون بأقل من الثمن نقدا إن كان يتجر لك وإن اتجر بمال لنفسه فجائز ثم قال في المدونة وإن عبدك باع سلعة بثمن إلى أجل لم يعجبني أن تبتاعها بأقل من الثمن نقدا إن كان العبد يتجر لك قال الشيخ أبو الحسن قوله هنا لم يعجبني معناه لم يجز يفسره قوله المتقدم وإنما قال لم يجز أن يشتريها عبدك المأذون ; لأنه وكيل ا هـ .

                                                                                                                            ( الرابع ) يكره أن يشتري البائع السلعة لأبيه أو لأجنبي وكله على شرائها قال أبو الحسن قال أشهب في المجموعة في شراء السيد لما باعه عبده المأذون أو شرائه المأذون لما باعه سيده إذا اتجر لنفسه أو اشتراها البائع لابنه الصغير أو لأجنبي بأقل مما باعها أكره ذلك كله ولو نزل لم أفسخه ا هـ قال في المدونة ولا يعجبني أن تبتاعها لابنك الصغير بأقل من الثمن وإن وكلك على رجل بأقل لم يعجبني قال الشيخ أبو الحسن : قوله لم يعجبني فيهما على بابها وقول أشهب وفاق وحمله اللخمي على المنع ا هـ ، وانظر ابن عرفة .

                                                                                                                            ( فرع ) قال في النوادر وإذا باع المقارض سلعة بثمن إلى أجل جاز لرب المال شراؤه بأقل منه ، انتهى من ترجمة من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها من هو بسببه .

                                                                                                                            ( الخامس ) قولنا غاب عليه مشتريها أو لم يغب إشارة إلى أن ما يعرف بعينه لا يفترق فيه الحكم

                                                                                                                            [ ص: 394 ] بذلك بخلاف المثلي وسيأتي إن شاء الله . ( السادس ) قال ابن عرفة عبد الحق عن بعض شيوخه عن الدمياطي عن ابن القاسم لو مات مبتاعها إلى أجل قبله جاز للبائع شراؤها من وارثه بحلول الأجل بموته ولو مات البائع لم يجز لوارثه إلا ما جاز له من شرائها ا هـ وذكر ابن رشد المسألة في البيان في الرسم الآتي ذكره في التنبيه السابع ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( السابع ) قولنا من مشتريه احتراز مما إذا باع المشتري لثالث ثم اشتراه البائع الأول من الثالث إلا أن يكون الثالث ابتاعه من المشتري بالمجلس بعد القبض ثم ابتاعه الأول منه بعد ذلك في موضع واحد فيمنع قال في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال وسئل مالك عن رجل ممن يبيع السلعة من الرجل بثمن إلى أجل فإذا قبضها منه ابتاعها منه ورجل حاضر كان قاعدا معهما فباعها منه ثم إن الذي باعها للأول اشتراها منه بعد ذلك في موضع واحد قال لا خير في هذا وأراه كأنه محلل بينهما وقال إنما يريدون إجازة المكروه قال سحنون وأخبرني ابن القاسم عن ابن دينار وقال هذا مما يضرب عليه عندنا وهذا مما لا يختلف فيه وأنه مكروه ويرى أن يزجر عنه وأن يؤدب من فعله قال ابن القاسم ورأيتها عند مالك من المكروه البين .

                                                                                                                            قال ابن رشد هذا صحيح على طرد القياس في الحكم بالمنع من الذرائع ; لأن المتبايعين إذا اتهما على أن يظهرا إلى أن أحدهما باع سلعة من صاحبه بخمسة عشر إلى أجل ثم اشتراها منه بعشرة نقدا ليتوصلا به إلى استباحة دفع عشرة في خمسة عشر إلى أجل وجب أن يتهما على ذلك وإن اشتراها الذي باعها من غير الذي باعها منه إذا كان ذلك في مجلس واحد لاحتمال أن يكونا إنما أدخلا هذا الرجل فيما بينهما لبعد التهمة عن أنفسهما ولا تبعد عنهما به ; لأن التحيل به يمكن بأن يقول الرجل مثلهما في قلة الرغبة تعال فاشتر من هذا الرجل هذه السلعة التي يبيعها منه بخمسة عشر إلى أجل بعشرة نقدا وأنا أبتاعها منك بذلك أو بربح دينار فتدفع إليه العشرة التي تأخذ مني ولا نزن من عندك شيئا فيكون إذا كان الأمر على هذا قد رجعت إلى البائع الأول سلعته ودفع إلى الذي باعها منه عشرة دنانير يأخذ بها منه خمسة عشر إلى أجل ويكون إن كان ابتاعها من الثاني بربح دينار على الشرط المذكور قد أعطاه ذلك الدينار ثمنا لمعونته إياه على الربا ، انتهى .

                                                                                                                            وقال في الشامل ولو ابتاعها لأجل ثم اشتراه ثالث بالمجلس بعد القبض ثم ابتاعه الأول منه بعد ذلك في موضع واحد منع ا هـ

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية