( كتاب ) هي لغة ما وضع عند غير مالكه لحفظه من ودع يدع إذا سكن ؛ لأنها ساكنة عند الوديع وقيل من الدعة أي الراحة ؛ لأنها تحت راحته ومراعاته وشرعا العقد المقتضي للاستحفاظ أو العين المستحفظة فهي حقيقة فيهما وتصح إرادتهما وإرادة كل منهما في الترجمة ثم عقدها في الحقيقة توكيل من جهة المودع وتوكل من جهة الوديع في حفظ مال أو اختصاص كنجس منتفع به فخرجت اللقطة والأمانة الشرعية كأن طير نحو ريح شيئا إليه أو إلى محله وعلم به والحاجة بل الضرورة داعية إليها الوديعة بمعنى الإيداع أربعة وديعة ومودع ووديع وصيغة [ ص: 99 ] وأركانها - كما علم مما - : تقرر كونها محترمة كنجس يقتنى وحبة بر بخلاف نحو كلب لا ينفع وآله اللهو ( وشرط الوديعة حرم عليه قبولها ) أي أخذها ؛ لأنه يعرضها للتلف وإن وثق بأمانة نفسه من عجز عن حفظها بأن جوز وقوع الخيانة منه فيها مرجوحا أو على السواء . ( ومن قدر ) على حفظها ( و ) هو أمين ولكنه ( لم يثق بأمانته ) فيها حالا أو مستقبلا
ويؤخذ منه الكراهة بالأولى إذا شك في قدرته وإن وثق بأمانة نفسه ( كره له ) أخذها من مالكها الرشيد الجاهل بحاله حيث لم يتعين عليه قبولها وقيل يحرم وعليه كثيرون ويرد بأنه لا يلزم من مجرد الخشية الوقوع ولا ظنه ومن ثم لو غلب على ظنه وقوع الخيانة منه فيها حرم عليه قبولها قطعا كما هو ظاهر أما غير مالكها كوليه فيحرم عليه إيداع من لم يثق بأمانته وإن ظن عدم الخيانة ويحرم عليه قبولها منه وأما إذا علم المالك الرشيد بحال الأول أو الثاني فلا حرمة ولا كراهة في قبولها على ما بحثه ابن الرفعة وفيه نظر وإن أقره السبكي وغيره وسبقه إليه ابن يونس والذي يتجه في الأول الحرمة عليهما إن كان في ذلك إضاعة مال محرمة لما يأتي وبقاء كراهة القبول في غير ظن الخيانة وحرمته فيها أما على المالك فلأنه حامل له بالإعطاء على الخيانة المحرمة وأما على القابل [ ص: 100 ] فلتسببه إلى وقوع الخيانة الغالبة منه ثم رأيت الزركشي نظر فيه أيضا عند العجز ثم قال الوجه تحريمه عليهما لإضاعة المالك ماله أي إن غلب ظن حصولها حينئذ ولإعانة الوديع عليه وعلم المالك بعجزه لا يبيح له القبول ا هـ .
وأما إذا تعين عليه قبولها فلا كراهة ولا حرمة على ما بحثه ابن الرفعة أيضا وفي عمومه نظر والذي يتجه أن ذلك إنما يرفع كراهة القبول في غير الأولى دون الحرمة فيها ؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وحيث قبل مع الحرمة أثم ولم يضمن على ما بحثه السبكي ومن تبعه وفيه نظر وعليه قال الأذرعي الوجه تخصيصه بالمالك الجائز التصرف ففي نحو وديع له الإيداع وولي يضمن بمجرد القبض ( فإن وثق ) بأمانة نفسه وقدر على حفظها ( استحب ) له قبولها ؛ لأنه من التعاون المأمور به ومحله إن لم يخف المالك من ضياعها لو تركها عنده أي غلب على ظنه ذلك كما هو ظاهر وإلا لزمه قبولها حيث لم يخش منه ضررا يلحقه أخذا مما ذكروه في الأمر بالمعروف وإن تعين لكن لا مجانا بل بأجرة لعمله وحرزه ؛ لأن الأصح جواز ، ولو تعدد الأمناء القادرون فالأوجه تعينها على كل من سأله منهم لئلا يؤدي التواكل إلى تلفها ويظهر فيما لو علموا حاجته إلى الإيداع لكنه لم يسأل أحدا منهم أنه لا وجوب هنا ؛ لأنه لا تواكل حينئذ وأنه يستحب لكل منهم أن يعرض له بقبوله الإيداع إن أراده وقد يشمل المتن هذه الصورة . أخذ الأجرة على الواجب العيني كإنقاذ غريق وتعليم نحو الفاتحة