( فرع )
فهل يحرم ذلك التفكر والتخيل اختلف في ذلك جمع متأخرون بعد أن قالوا إن المسألة ليست منقولة فقال جمع محققون وطئ حليلته متفكرا في محاسن أجنبية حتى خيل إليه أنه يطؤها كابن الفركاح وجمال الإسلام ابن البزري والكمال الرداد شارح الإرشاد والجلال السيوطي وغيرهم يحل ذلك واقتضاه كلام التقي السبكي في كلامه على قاعدة سد الذرائع واستدل الأول لذلك بحديث { } ولك رده بأن الحديث ليس في ذلك بل في خاطر تحرك في النفس هل يفعل المعصية كالزنا ومقدماته ، أو لا فلا يؤاخذ به إلا إن صمم على فعله بخلاف الهاجس والواجس وحديث النفس والعزم وما نحن فيه ليس بواحد من هذه الخمسة ؛ لأنه لم يخطر له عند ذلك التفكر والتخيل فعل زنا ولا مقدمة له فضلا عن العزم عليه وإنما الواقع منه تصور قبيح بصورة حسن فهو متناس للوصف الذاتي متذكر للوصف العارض باعتبار تخيله وذلك لا محذور فيه إذ غايته أنه تصور شيء في الذهن غير مطابق للخارج فإن قلت يلزم من تخيله وقوع وطئه في تلك الأجنبية أنه عازم على الزنا بها إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها قلت ممنوع كما هو واضح وإنما اللازم فرض موطوءته هي تلك الحسناء وقد تقرر أنه لا محذور فيه على أنا لو فرضنا أنه يضم إليه خطور الزنا بتلك الحسناء لو ظفر بها حقيقة لم يأثم إلا إن صمم على ذلك فاتضح أن كلا من التفكر والتخيل حال غير تلك الخواطر الخمسة ، وأنه لا إثم إلا إن صمم على فعل المعصية بتلك المتخيلة لو ظفر بها في الخارج .
قال ابن البزري وينبغي كراهة ذلك ورد بأن الكراهة لا بد فيها من نهي خاص [ ص: 206 ] أي ، وإن استفيد من قياس ، أو قوة الخلاف في وجوب الفعل فيكره تركه كغسل الجمعة أو حرمته فيكره كلعب الشطرنج إذ لم يصح في النهي عنه حديث ونقل ابن الحاج المالكي عن بعض العلماء أنه يستحب فيؤجر عليه ؛ لأنه يصون به دينه واستقر به بعض المتأخرين منا إذا صح قصده بأن خشي تعلقها بقلبه واستأنس له بما في الحديث الصحيح من أمر { } ا هـ وفيه نظر ؛ لأن إدمان ذلك التخيل يبقي له تعلقا ما بتلك الصورة فهو باعث على التعلق بها لا أنه قاطع له وإنما القاطع له تناسي أوصافها وخطورها بباله ولو بالتدريج حتى ينقطع تعلقه بها رأسا وقال من رأى امرأة فأعجبته أنه يأتي امرأته فيواقعها ابن الحاج المالكي يحرم على من رأى امرأة أعجبته وأتى امرأته جعل تلك الصورة بين عينيه وهذا نوع من الزنا كما قال علماؤنا فيمن أخذ كوزا يشرب منه فتصور بين عينيه أنه خمر فشربه أن ذلك الماء يصير حراما عليه ا هـ ورده بعض المتأخرين بأنه في غاية البعد ولا دليل عليه وإنما بناه على قاعدة مذهبه في سد الذرائع وأصحابنا لا يقولون بها ووافقه الإمام أحمد الزاهد ، وهو شافعي غفلة عن هذا البناء ا هـ وقد بسطت الكلام على هذه الآراء الأربعة في الفتاوى وبينت أن قاعدة مذهبه لا تدل لما قاله في المرأة وفرقت بينها وبين صورة الماء بفرق واضح لا غبار عليه فراجع ذلك كله فإنه مهم فإن قلت يؤيد التحريم قول كما يحرم النظر لما لا يحل يحرم التفكر فيما لا يحل لقوله تعالى { القاضي حسين ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } فمنع من التمني لما لا يحل كما منع من النظر لما لا يحل قلت استدلال القاضي بالآية وقوله عقبها فمنع من التمني إلخ صريحان في أن كلامه ليس فيما نحن فيه من التفكر والتخيل السابقين وإنما هو في حرمة تمني حصول ما لا يحل له بأن يتمنى الزنا بفلانة ، أو أن تحصل له نعمة فلان بعد سلبها عنه ومن ثم ذكر الزركشي كلامه في قال والنهي في الآية للتحريم وغلطوا من جعله للتنزيه نعم إن ضم في مسألتنا إلى التخيل والتفكر تمني وطئها زنا فلا شك في الحرمة ؛ لأنه حينئذ مصمم على فعل الزنا راض به وكلاهما حرام ولم يتأمل كلام قاعدة حرمة تمني الرجل حال أخيه من دين ، أو دنيا القاضي هذا من استدل به للحرمة ولا من أجاب عنه بأنه لا يلزم من تحريم التفكر تحريم التخيل إذ التفكر إعمال النظر في الشيء كما في القاموس ا هـ
.