( كتاب ) الخلع
بالضم من الخلع بالفتح وهو النزع ؛ لأن كلا لباس للآخر كما في الآية وأصله قبل الإجماع قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } { فإن طبن لكم } وخبر أنه صلى الله عليه وسلم { البخاري وقد سألته زوجته أن يطلقها على حديقتها التي أصدقها إياها خذ الحديقة وطلقها تطليقة لثابت بن قيس } وهو أول خلع في الإسلام وأصله مكروه [ ص: 458 ] وقد يستحب كالطلاق ويزيد هذا بندبه لمن قال وفيه نظر لكثرة القائلين بعود الصفة فالأوجه أنه مباح لذلك لا مندوب على أن في التخلص به تفصيلا يأتي في الطلاق فتفطن له وإذا فعل الخلع في هذه الصورة فليشهد عليه فإنه إذا أعادها لا يقبل قوله فيه وإن صدقته على ما جزم به بعضهم ويؤيده ما مر أن اتفاقهما على مفسد للعقد بعد الثلاث لا يفيد لرفعه التحليل فإن قلت فلم قبلت البينة هنا كما هو مقتضى أمره بالإشهاد لا ثم قلت يمكن توجيهه بأنها هنا لا ترفع العقد الموجب للوقوع بخلافها ثم فكانت التهمة فيها أقوى ثم رأيت حلف بالثلاث على شيء لا بد له من فعله شيخنا أفتى بعدم قبول بينته وهو القياس ولا نظر لتفاوت التهمة .
ولو بطل الخلع ووقع رجعيا كما نقله جمع متقدمون عن منعها نحو نفقة لتختلع منه بمال ففعلت أولا بقصد ذلك وقع بائنا وعليه يحمل ما نقلاه عنه أنه يصح ويأثم بفعله في الحالين وإن تحقق زناها وكان الفرق أنه لما اقترن المنع بقصد الخلع وكان يعسر تخليص مثل ذلك منه بالحاكم لمشقته وتكرره نزل منزلة الإكراه بالنسبة لالتزام المال بخلاف ما إذا لم يقصد ذلك فإنه ينجع فيه القاضي وغيره غالبا فلم يلحقوه بالإكراه ذلك هذا غاية ما يوجه به ذلك وقضية قولهم إنه لا يؤثر إضمار المبطل الأخذ بإطلاق صحته ووقوعه بائنا في الحالين كما اقتضاه ما نقلاه عن الشيخ أبي حامد الشيخ وأما زعم أنه إكراه فيهما فبعيد ؛ لأن شرطه أن لا يمكن التخلص منه بالحاكم وهنا يمكن ذلك على ما تقرر ( هو فرقة بعوض ) مقصود كميتة وقود لها عليه راجع للزوج أو سيده ولو كان العوض تقديرا كأن خالعها على ما في كفها عالمين بأنه لا شيء فيه [ ص: 459 ] فإنه يجب مهر المثل وكذا على البراءة من صداقها أو بقيته ولا شيء لها عليه ويؤخذ من اكتفائهم في العوض بالتقدير صحة ما أفتى به البلقيني ومن تبعه فيمن فإنه يصح الإبراء ويقع الطلاق ؛ لأنها مالكة لكل المهر حال الإبراء وإذا صح لم يرتفع . لو قال لزوجته قبل الدخول إن أبرأتني من مهرك فأنت طالق فأبرأته
وقال آخرون لا طلاق ؛ لأن من لازمه رجوع النصف إليه فلم يبرأ من الجميع فلم يوجد المعلق به من الإبراء من كله ولأن المعلق بصفة يقع مقارنا لها كما ذكروه في تعاليق الطلاق وأيده بعضهم بأنه يصح خلعها المنجز به لكنه يرجع عليها بنصف مهر المثل لفساد نصف عوضه برجوعه به للزوج ويجاب بمنع الملازمة لما مر أنها لو أبرأته ثم طلقها لم يرجع عليها بشيء وبأن معنى قولهم في تعاليق الطلاق الشرط علة وضعية والطلاق معلولها فيتقارنان في الوجود كالعلة الحقيقية مع معلولها أنه إذا وجد الشرط قارنه المشروط فهنا إذا وجد الإبراء قارنه الطلاق بمقتضى لفظه والتشطير إنما يوجد عقب الطلاق ؛ لأنه حكم رتبه الشارع عليه وعقبه لم يبق مهر حتى يتشطر على إن جمعا على تقدمها بالزمان على معلولها واختاره السبكي وغيره بل على الأول بينهما تقدم وتأخر من حيث الرتبة ويفرق بين ما هنا والخلع المنجز بأن البراءة وجدت في ضمنه وفي مسألتنا وجدت متقدمة على وقت التشطير فلم يرجع منه شيء له إما فرقة بلا عوض أو بعوض غير مقصود كدم أو بمقصود راجع لغير من مر كأن علق طلاقها على إبرائها زيدا عما لها عليه فإنه لا يكون خلعا بل يقع رجعيا وزعم أن وقوعه في الدم رجعيا يمنع كونه بعوض فلا يحتاج لمقصود يرد بأن العوض في هذا الباب يشمل المقصود وغيره فوجب التقييد بالمقصود وكان وقوعه رجعيا مانعا لكونه مقصودا لا لكونه عوضا .
ولو نظرا لرجوع بعضه للزوج أو رجعيا نظرا لرجوع البعض الآخر للأجنبي كل محتمل والأول أقرب ؛ لأن رجوعه لغير الزوج يحتمل أنه مانع للبينونة أو غير مقتض لها فعلى الثاني البينونة واضحة وكذا على الأول إذ كونه مانعا لها إنما يتجه إن انفرد لا إن انضم إليه مقتض لها ( بلفظ طلاق ) [ ص: 460 ] أي بلفظ محصل له صريح أو كناية ومن ذلك لفظ المفاداة الآتي ولكون لفظ الخلع الأصل في الباب عطفه على ما قبله من باب عطف الأخص على الأعم فقال ( أو خلع ) فالمراد بالخلع في الترجمة معناه كما أفاده حده له بما مر خالعها على إبرائه وإبراء زيد فأبرأتهما براءة صحيحة فهل يقع بائنا