( وصريحه الطلاق ) أي ما اشتق منه إجماعا ( وكذا ) الخلع والمفاداة وما اشتق منهما على ما مر فيهما ، ولو قال خالعتك على مذهب أحمد ووجدت شروط الخلع الذي يكون فسخا بها عنده لم يكن ذلك قرينة صارفة لصراحة الخلع في الطلاق عندنا خلافا لمن وهم فيه وفارق ما يأتي في أنت طالق ، وهو يحلها من وثاق بابه استعمل اللفظ حينئذ في معناه اللغوي فلم يصرفه عن مدلوله بالكلية بخلافه هنا فهو كأنت طالق طلاقا لا يقع فعلم أن القرينة المخالفة لوضع اللفظ لغو كقوله لموطوءته أنت طالق طلاقا بائنا تملكين به نفسك فإنه مع ذلك يقع رجعيا ولا نظر لقوله بائنا إلى آخره لمخالفته لموضوع الصيغة من كل وجه على أن قوله على مذهب أحمد غير قرينة إذ الفسخ والطلاق متحدان في أن كلا فيه حل قيد العصمة وترتب عدم نحو نقص العدد ، وسقوط المهر قبل الوطء على الفسخ فقط لا ينافي ذلك ؛ لأنه أمر خارج عن المدلول .
وكذا ( الفراق والسراح ) بفتح السين أي ما اشتق منهما ( على المشهور ) لاشتهارهما في معنى الطلاق وورودهما في القرآن مع تكرر الفراق فيه ، وإلحاق ما لم يتكرر بما تكرر وما لم يرد من المشتقات بما ورد ؛ لأنه بمعناه قال في الاستذكار عن ابن خيران ومحل هذين فيمن عرف صراحتهما أما من لم يعرف إلا الطلاق فهو الصريح في حقه فقط [ ص: 8 ] قال الأذرعي ، وهو ظاهر لا يتجه غيره إذا علم أن ذلك مما يخفى عليه . انتهى .
وهو متجه في نحو أعجمي لا يدري مدلول ذلك ولم يخالط أهله مدة يظن بها كذبه ، وإلا فجهله بالصراحة لا يؤثر فيها لما يأتي أن الجهل بالحكم لا يؤثر ، وإن عذر به وذكر الماوردي أن العبرة في الكفار بالصريح والكناية عندهم لا عندنا ؛ لأنا نعتبر اعتقادهم في عقودهم فكذا في طلاقهم ومحله إن لم يترافعوا إلينا كما مر بما فيه قبيل فصل أسلم وتحته أكثر من أربع ، وللفظ الطلاق وما اشتق منه أمثلة تأتي نظائرها في البقية ( كطلقتك ) وطلقت منه بعد أن قيل له طلقها ومنها بعد طلقي نفسك ، وكطلقت هنا الطلاق لازم لي وطالق بعد إن فعلت كذا فزوجتك طالق ، ويأتي قريبا ما يعلم منه الفرق بين هذا ، وأنت واحدة بخلاف طالق فقط أو طلقت فقط ابتداء فإنه لا يقع به شيء ، وإن نواها كما نقلاه عن قطع القفال ، وأقراه أي ؛ لأنه لم يسبق قرينة لفظية تربط الطلاق بها ( وأنت ) طوالق لكنه صريح في طلقة واحدة فقط كأنت كل طالق أو نصف طالق ، وأنت ( طالق ) ، وإن قال ثلاثا على سائر المذاهب فيقعن وفاقا لابن الصباغ وغيره وخلافا للقاضي أبي الطيب ولا نظر لكونه لا يقع على سائر المذاهب ؛ لأن منها من يمنع وقوع الثلاث جملة ؛ لأن قائليه لا يريدون به إلا المبالغة في الإيقاع .
ومن ثم لو قصد أحد التعليق عليها قبل منه كما يأتي ( ومطلقة ) بتشديد اللام ومفارقة ومسرحة ( ويا طالق ) لمن ليس اسمها ذلك كما سيذكره ، ويا مفارقة ، ويا مسرحة ، وأوقعت عليك طلقة أو الطلاق وكذا وضعت عليك طلقة أو الطلاق على الأوجه وعلى الطلاق خلافا لكثيرين . [ ص: 9 ] وكذا قوله : الطلاق يلزمني أو طلاقك لازم لي أو واجب علي لا أفعل كذا على المنقول المعتمد كذا أطلقوه كما أطلقوا أن بالطلاق أو والطلاق لا أفعل أو ما فعلت كذا لغو وعللوه بأن الطلاق لا يحلف به لكنهم في نظير ذلك الآتي في النذر ، وهو العتق يلزمني أو والعتق لا أفعل أو ما فعلت كذا ذكروا ما قد يخالف ما هنا ، وعند تأمل ما يأتي ثم إن العتق لا يحلف به إلا عند التعليق أو الالتزام أو نية أحدهما يعلم أنه لا مخالفة فتأمله ولا تغتر بمن بحث جريان ما هناك هنا إذ يلزم عليه أن الطلاق يلزمني لا أفعل كذا يكون حكمه كالعتق يلزمني لا أفعل كذا وليس كذلك ، ويفرق بأن العتق عهد الحلف به كما تقرر [ ص: 10 ] فلم يتعين ، وأجزأت الكفارة عنه بخلاف الطلاق لم يعهد الحلف به ، وإنما المعهود فيه إيقاعه منجزا وعند المعلق به فلم يجز عنه غيره ولو جمع بين ألفاظ الصريح الثلاثة بنية التأكيد لم يتكرر وكذا في الكناية كما رجحه الزركشي وما في الروضة عن شريح من خلافه يحمل على ما إذا نوى الاستئناف أو أطلق .
( فرع ) يقع من كثير علي الطلاق من فرسي أو سيفي مثلا وحكمه كما يعلم مما يأتي في قوله من وثاق أنه ظاهرا كناية وباطنا صريح ما لم ينو من فرسي قبل فراغ لفظ اليمين فحينئذ يكون كناية تتوقف على النية سواء في ذلك العامي وغيره ، وهذا أصوب من إفتاء غير واحد بإطلاق عدم الوقوع كأنت طالق من العمل ، ويرد بأن هذا مقيد بما قلناه أيضا على أن الأذرعي بحث فيمن لا تعمل كبنت نبيل أنه يقع وكالتعليق بالمحال ، ويرد بأن شرط التعليق ما ذكرناه من نيته قبل فراغ لفظه فهو مما قلناه ، وفي الروضة عن المتولي ، وأقره ما حاصله في أنت طالق من وثاق أنه إنما يخرج عن الصريح إلى الكناية في ظاهر الحكم أما فيما بينه وبين الله تعالى فلا بد أن يعزم على الإتيان بالزيادة قبل فراغ طالق فحينئذ إن نوى الإيقاع به وقع ، وإلا فلا بخلاف ما إذا بدت له تلك الزيادة بعد الفراغ فإنه يقع مطلقا وكذلك نية الزيادة في التديين لا بد أن توجد قبل فراغ طالق أيضا ، ويأتي في الاستثناء ما يوافق ذلك وفي الأنوار لو قال نسائي طوالق ، وأراد أقاربه لم تطلق زوجاته ، ويتعين حمله على الباطن .
أما في الظاهر فالوجه أنه لا يقبل منه ذلك وكذا يقال في مسائل كثيرة ذكرها مع ذلك ثم رأيت بعضهم أوله بذلك ( لا أنت طلاق و ) أنت ( الطلاق في الأصح ) [ ص: 11 ] بل هما كنايتان كإن فعلت كذا ففيه طلاقك أو فهو طلاقك كما هو ظاهر ؛ لأن المصدر لا يستعمل في العين إلا توسعا وكذا أنت طال ترخيم طالق شذوذا من وجوه واعتماد صراحته مردود بأنه يصلح ترخيما لطالب وطالع ولا مخصص إلا النية ، وكذا أنت طلقة أو نصف طلقة أو أنت وطلقة أو مع طلقة أو فيها ولك طلقة أو الطلاق وعليك الطلاق وعلم مما تقرر ومما مر في صيغة النكاح أن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى لا يضر كهو بالإعراب ومنه ما لو خاطب زوجته بقوله أنتن أو أنتما طالق ، وأن تقول له طلقني فيقول هي مطلقة فلا يقبل إرادة غيرها ؛ لأن تقدم سؤالها يصرف اللفظ إليها ، ومن ثم لو لم يتقدم لها ذكر رجع لنيته في نحو أنت طالق ، وهي غائبة ، وهي طالق ، وهي حاضرة قال البغوي : ولو قال ما كدت أن أطلقك كان إقرارا بالطلاق وكأنه إنما لم ينظر للقول والمرجح عند كثيرين أن نفي كاد ليس إثباتا ؛ لأنه ضعيف عنده وفاقا لكثيرين أيضا أو رعاية للعرف فإن أهله يفهمون منه الإثبات .


