( وكنايته ) أي الطلاق ألفاظ كثيرة بل لا تنحصر ( كأنت خلية ) أي من الزوج فعيلة بمعنى فاعلة ( برية ) أي منه ( بتة ) أي مقطوعة الوصلة إذ البت القطع وتنكير هذا لغة والأشهر أنه لا يستعمل إلا معرفا بأل مع قطع الهمزة .
( بتلة ) أي متروكة النكاح ومنه { نهى عن التبتل } ومثلها مثلة من مثل به جدعه ( بائن ) من البين ، وهو الفرقة ، وإن زاد بعده بينونة لا تحلين بعدها إلي أبدا كما مر ( اعتدي استبرئي رحمك ) ولو لغير موطوءة طلقت نفسي ( الحقي ) بكسر ثم فتح ، ويجوز عكسه ( بأهلك ) أي ؛ لأني طلقتك ( حبلك على غاربك ) أي خليت سبيلك كما يخلى البعير بإلقاء زمامه في الصحراء على غاربه ، وهو ما تقدم من الظهر وارتفع عن العنق ( لا أنده ) أي أزجر ( سربك ) بفتح فسكون ، وهو الإبل وما يرعى من المال أي تركتك لا أهتم بشأنك أما بكسر فسكون فهو قطيع الظباء وتصح إرادته هنا أيضا ( اغربي ) بمهملة فمعجمة أي تباعدي عني ( اعزبي ) بمعجمة فراء أي صيري غريبة أجنبية مني ( دعيني ) أي اتركيني ( ودعيني ) بتشديد الدال من الوداع أي ؛ لأني طلقتك ( ونحوها ) من كل ما يشعر بالفرقة إشعارا قريبا كتجردي تزودي اخرجي سافري تقنعي تستري برئت منك الزمي أهلك لا حاجة لي فيك أنت وشأنك أنت ولية نفسك وسلام عليك قول المحشي أما ظاهرا إلخ هكذا في النسخ وهي غير ظاهرة فلتحرر ، [ ص: 14 ] وكلي واشربي خلافا لمن وهم فيهما ، وأوقعت الطلاق في قميصك وبارك الله لك لا فيك وسيذكر أن أشركتك مع فلانة وقد طلقت منه أو من غيره ، وأنا منك طالق أو بائن ونوى طلاقها كناية وخرج بنحوها نحو قومي أغناك الله ، ويفرق بينه وبين لعل الله يسوق إليك الخير بأن هذا أقرب إلى إرادة الطلاق به ؛ لأن ترجي سوق الخير يستعمل في ترجي حصول زوج ولا كذلك الغنى ، أحسن الله جزاءك اغزلي أي بالغين المعجمة بخلاف اعزلي بالمهملة أي نفسك عني فإن الذي يظهر أنه كناية اقعدي ، وفي عنوان الشرف لابن المقري أن قتل نكاحك كناية ، ووافقه ابن عبد السلام الناشري وخالفه الوجيه الناشري وغيره قال أما قتل نكاحك فكناية بلا شك . انتهى .
وبه يعلم أن الأوجه الأول إذ لا فرق مع نية الإيقاع بذلك بين المبني للفاعل والمفعول ، ويجري ذلك في قطع نكاحك وقطعته ، ولو قالت له أنا مطلقة فقال ألف مرة كان كناية في الطلاق والعدد على الأوجه فإن نوى الطلاق وحده وقع أو والعدد وقع ما نواه أخذا من قول الروضة وغيرها في أنت واحدة أو ثلاث أنه كناية ، ومثله ما لو قيل له هل هي طالق فقال ثلاثا كما يأتي قبيل آخر فصل في هذا الباب ، ويفرق بينه وبين قوله طالق حيث لا يقع به شيء ، وإن نوى أنت بأنه لا قرينة هنا لفظية على تقديرها والطلاق لا يكفي فيه محض النية بخلاف مسألتنا فإن وقوع كلامه جوابا يؤيد صحة نيته به ما ذكر فلم تتمحض النية للإيقاع وكطالق ما لو طلقها رجعيا ثم قال جعلتها ثلاثا فلا يقع به شيء ، وإن نوى على المعتمد لما قررته ، وقطع البغوي بوقوع الثلاث إن نواها ينبغي حمله بفرض اعتماده على ما إذا وصلها بلفظ الطلاق إذ لو قال أنت طالق ثم قال ثلاثا وقد فصل بينهما بأكثر من سكتة التنفس والعي لغا فهذا أولى وعلى الاتصال يحمل إفتاء ابن الصلاح بأنه إن قصد بكلامه ثانيا أنه من تتمة الأول وبيان له وقعن كما لو قال أنت ثلاث ونوى الطلاق الثلاث نعم أطلق شيخنا في فتاويه الوقوع فإنه سئل عمن حلف بالطلاق أنه لا يفعل كذا ثم بعد ذلك قال ثلاثا ثم فعل المحلوف عليه فأجاب بأنه إن نوى الثلاث في تعليقه أو أراد بقوله ثلاثا أنه تتمة للتعليق وتفسير له أو نوى به الطلاق الثلاث وقع الثلاث ، وإلا فواحدة . انتهى .
فلم يفصل بين طول الفاصل وقصره ، وفيه نظر كقوله أو نوى به إلى آخره إذ كيف تؤثر النية بلفظ مبتدأ ليس بصريح ولا كناية إذا لم يقترن به ما يدل عليه والحاصل أن الذي ينبغي اعتماده أنه متى لم يفصل في ثلاثا بأكثر مما مر أثر مطلقا ومتى فصل بذلك ، ولم تنقطع نسبته عنه عرفا كان كالكناية فإن نوى أنه من تتمة الأول وبيان له أثر ، وإلا فلا ، وإن انقطعت نسبته عنه عرفا لم يؤثر مطلقا كما لو قال لها ابتداء ثلاثا وفارق ما مر في جعلتها ثلاثا بأن هذا كلام مستأنف لا يصلح أن يكون من تتمة الأول فلم يؤثر [ ص: 15 ] مطلقا على ما مر قال بعضهم ولو قالت له بذلت صداقي على طلاقي فقال طالق ولم يدع إرادة غيرها طلقت كما أشار إليه الشيخان قبيل الطرف الثاني في الأفعال القائمة مقام اللفظ . انتهى .
وأراد قولهما لو قيل لمن أنكر شيئا امرأتك طالق إن كنت كاذبا فقال طالق وقال ما أردت طلاق امرأتي قبل ؛ لأنه لم يوجد منه إشارة إليها ولا تسمية ، وإن لم يدع إرادة غيرها طلقت . انتهى وبتأمله يعلم تنافي مفهومي ما أردت ، وإن لم يدع في حالة الإطلاق لكن وجه غيرهما ما قالاه آخرا بأن الظاهر ترتب كلامه على كلام القائل ، ويؤخذ منه الطلاق عند الإطلاق ، وهو متجه لما مر في شرح كطلقتك أن الظاهر المذكور يصير طالق ونحوه وحده صريحا لكن لضعفه قبل الصرف بالنية أخذا مما قالاه هنا وبه يلتئم أطراف كلامهما ، ويعلم أنه لا متمسك لذلك القائل فيما قالاه ؛ لأن فيه ما صيره صريحا بخلافه في بذلت إلى آخره فلا يقع به شيء كما أفهمه ما سبق من إلغاء طالق ما لم يسبقه ما يصح تنزيله عليه من نحو إن فعلت كذا فزوجتك طالق ، وأما بذلت إلخ فلا يتضح فيه ذلك فتأمله .
ولو قال متى طلقتها فطلاقي معلق على إعطائها لي كذا ثم طلقها وقع ؛ لأنه إذا وقع لا يعلق ، وإلا لزم صحة قصده أنه إذا وقع منه لفظ طلاق لا يقع مدلوله وليس كذلك نعم إن قصد في هذه الصورة ذلك التعليق عند الإيقاع قبل ظاهرا لاعتضاد ذلك القصد بالقرينة السابقة .


