( ولا يقع ) بباطل ولا ينافيه ما يأتي في التعليق من أن المعلق بفعله لو فعل مكرها بباطل أو بحق لا حنث خلافا لجمع ؛ لأن الكلام هنا فيما يحصل به الإكراه على الطلاق فاشترط تعدي المكره به ليعذر المكره وثم في أن فعل المكره هل هو مقصود بالحلف عليه أو لا كالناسي والجاهل والأصح الثاني فلا يتقيد بحق ولا باطل وبهذا يتجه ما اقتضاه كلام طلاق مكره الرافعي من عدم الحنث في إن أخذت حقك مني فأكرهه السلطان حتى أعطى بنفسه واندفع قول الزركشي المتجه خلافه ؛ لأنه إكراه بحق كطلاق المولي ووجه اندفاعه أن قوله مني يقتضي أن فعله مقصود بالحلف عليه كفعل الأخذ وقد تقرر أن الفعل المكره عليه غير مقصود بالحلف عليه أكره بحق أو باطل والمولي ليس مما نحن فيه ؛ لأن الشرع أكرهه على الطلاق نفسه وما نحن فيه الإكراه على خارج عنه جعله الحالف سببا له عند الاختيار لا الإكراه لما تقرر أن الفعل المطلق يحمل على ذلك وشتان ما بينهما ثم رأيت القاضي صرح بما ذكرته فقال إن المحلوف عليه هنا الأخذ باختيار المعطي والإمام أقره عليه والزركشي قال نحن لا نرى ذلك بل يكفي الأخذ منه ، وإن لم يعط . انتهى .
ويرد بأن فيما رآه إلغاء لقوله مني الظاهر في أنه لا بد من نوع اختيار له في الإعطاء إذ من أخذ من مكره لا يقال أخذ منه على الإطلاق [ ص: 32 ] وإنما يقال أكرهه حتى أعطاه ، ويؤخذ مما تقرر أن من لا يحنث به لكن محله فيما فعله لداعية الإكراه ، وهو ما يزول به الهجر المحرم أما الزائد عليه فيحنث به ؛ لأنه ليس مكرها عليه فإن فرض أن القاضي أجبره على كلامه ، وإن زال الهجر قبله لم يحنث أيضا لما تقرر أن حلف لا يكلم فلانا فأجبره القاضي على كلامه لا يحنث فزعم بعضهم أن إجبار القاضي إنما ينصرف لما يزول به الهجر المحرم محله حيث لم ينص القاضي على خلاف ذلك ، وإن تعدى به وذلك للخبر الصحيح برفع القلم عنه مع الخبر الصحيح أيضا { المكره بباطل } وفسره كثيرون بالإكراه كأنه أغلق عليه الباب أو انغلق عليه رأيه ومنعوا تفسيره بالغضب للاتفاق على وقوع لا طلاق في إغلاق قال طلاق الغضبان ، وأفتى به جمع من الصحابة ولا مخالف لهم منهم ومنه كما هو ظاهر ما لو البيهقي بشرط أن لا يتمكن منه قبل غلبته له بوجه ، أما حلف ليطأنها قبل نومه فغلبه النوم بحيث لم يستطع رده فيقع معه [ ص: 33 ] الإكراه بحق كطلق زوجتك ، وإلا قتلتك بقتلك أبي
وكذا في إكراه القاضي للمولي بشرطه الآتي واستشكله الرافعي ، وأجاب عنه ابن الرفعة بما بينته في شرح الإرشاد نعم لو وقع ؛ لأنه أبلغ في الإذن وكذا إذا نوى المكره الإيقاع لكنه الآن غير مكره كما في قوله ( فإن ظهر قرينة اختيار بأن ) هي بمعنى كأن أكرهه على طلاق زوجة نفسه أو ( على ثلاث فوحد أو صريح أو تعليق فكنى أو نجز أو على ) أن يقول ( طلقت فسرح أو بالعكوس ) أي على واحدة فثلث أو كناية فصرح أو تنجيز فعلق أو تسريح فطلق ( وقع ) ؛ لأنه مختار لما أتى به ، ويظهر أن نيته استعمال لفظ الطلاق في معناه كاف هنا ، وإن لم يقصد الإيقاع ؛ لأن الشرط أن يطلق لداعي الإكراه ومن قصد ذلك غير مطلق لداعيه بل هو مختار له فما أفهمه قولهم نوى الإيقاع [ ص: 34 ] أن نية غيره لا تؤثر كما في الكناية غير مراد لقولهم لا بد أن يطلق لداعي الإكراه من غير أن تظهر منه قرينة اختيار ألبتة . ( أكره ) على طلاق إحدى امرأتيه مبهما فعين أو معينا فأبهم
( تنبيه ) فلو الإكراه الشرعي كالحسي لم يحنث وكذا لو حلف ليطأن زوجته الليلة فوجدها حائضا أو لتصومن غدا فحاضت فيه أو ليبيعن أمته اليوم فوجدها حبلى منه كما يأتي وحكاية حلف ليقضين زيدا حقه في هذا الشهر فعجز عنه الإجماع على الحنث هنا غير صحيحة ؛ لأن الخلاف مشهور كما أشار إليه المزني الرافعي أواخر الطلاق وتبعه محققو المتأخرين كالبلقيني وغيره فأفتوا بعدم الحنث وبعضهم أول كلام وسيأتي أواخر الأيمان وحنث من المزني إنما هو لحلفه على المعصية قصدا ومن ثم لو حلف ليعصين الله وقت كذا فلم يعصه حنث والحاصل أنه حيث خص يمينه بالمعصية أو أتى بما يعمها قاصدا دخولها أو دلت عليه قرينة كما يأتي في مسألة مفارقة الغريم فإن ظاهر الخصام والمشاحة فيها أنه أراد لا يفارقه ، وإن أعسر حنث بخلاف من أطلق ولا قرينة فيحمل على الجائز ؛ لأنه الممكن شرعا ، والسابق إلى الفهم ومنه أن حلف لا يصلي الظهر فصلاه فلا يحنث بمفارقته ولو أراد بالوطء ما يعم الحرام حنث بتركه للحيض كما لو حلف لا يفعل عامدا ، ولا ناسيا ولا جاهلا ولا مكرها فيحنث مطلقا قال بعضهم ولو يحلف لا يفارقه ظانا يساره فبان إعساره حنث ولا ينظر إلى أن إيجاب الشرع الصلاة عليه إلى هذه الجهات منزل منزلة الإكراه كما تقرر قال [ ص: 35 ] ؛ لأن هذا إنما هو في حلف يتضمن الحث على الفعل ؛ لأجل الحلف كالمسألة المذكورة ومسألتنا الحلف فيها يتضمن منع نفسه من الفعل ؛ لأجل الحلف ولم يقولوا بأن إيجاب الشرع فيه منزل منزلة الإكراه بل صرحوا في لا أفارقك فأفلس ففارقه مختارا حنث ، وإن كان فراقه له واجبا ولما لم يظهر حلف لا يصلي لغير قبلة فصلى أربع ركعات ؛ لأربع جهات بالاجتهاد للإسنوي ذلك ادعى أن كلامهما متناقض . انتهى .
وفي الفرق بين الحث والمنع نظر ؛ لأن الشارع كما منعه من الفعل الذي حث نفسه عليه في الأول كذلك ألزمه بالفعل الذي منع نفسه منه في الثاني فهو مكره فيهما وقد يفرق بأن الأول فيه إثبات ، وهو لا عموم فيه فلم يتناول اليمين جميع الأحوال بالنص .
والثاني فيه نفي ، وهو للعموم ؛ لأن الفعل كالنكرة إثباتا ونفيا ففيه الحلف على كل جزئية من جزئيات المفارقة بالمطابقة فصار حالفا على المعصية هنا قصدا فحنث كما مر في ليعصين الله وبحث بعضهم عدم الوقوع في مسألة القبلة ؛ لأنه إن أراد الفرض فتعليق بمستحيل ، وإلا فاجتهاده يصيره جاهلا بالمحلوف عليه وليس كما زعم في الأولى ؛ لأن هذا ليس من التعليق بالمستحيل الشرعي في شيء كما هو واضح ، وأما الثاني فمحتمل بل متجه ؛ لأن انبهام جهة غير القبلة عليه حالة الصلاة يصيره جاهلا عند التوجه إلى كل جهة بأنها غير القبلة وعلمه بعد لا ينفي جهله حالة الفعل والعبرة بهذا دون ما بعد وما قبل فاندفع ما قيل كل أحد يعلم أن جهة القبلة واحدة لا غير ووجه اندفاعه ما قررته أن العبرة في الجهل إنما هو بجهل المحلوف عليه عند الفعل ولا شك أنه جاهل بعين المحلوف عليه عند ابتداء التوجه إلى كل جهة ، وجعل الجلال البلقيني من الإكراه الشرعي أي الذي لا يعلم رضاه ؛ لأنه ممنوع من دخولها شرعا ، ويرده أن هذا إن لم أدخل الدار فأنت طالق ، وهي لغيره فلا إكراه فيه نظير ما مر نعم إن كان الفرض أنه ظن رضاه بدخوله ثم بان خلافه ، وأنه منعه من الدخول اتجه ما قاله ومر أنه لو حلف على فعل المعصية قصدا كان إكراها مع رد ما قال إن أخذت حقك منى فأنت طالق فأعطاه بإجبار الحاكم للزركشي فيه بما حاصله أن إجبار الحاكم على فعل المعلق عليه يمنع الوقوع أي إن لم يكن له مندوحة عنه لقولهم : لو حنث لإمكان التخلص منها بأداء المدعى به عليه ومن ثم قال حلف لا يحلف يمينا مغلظة وحلفها الزركشي هنا لا بد أن يجبر على الإعطاء بنفسه ، وإلا فهو قادر على التوكيل فتركه تقصير فيحنث به قالا عن ابن الصباغ [ ص: 36 ] فيمن فلا شيء على الشاهدين ؛ لأن العتق حصل بالحل ؛ لأنه حل مختارا لظنه عتقه بالشهادة وقد بان خطؤه مع تقصيره فلا يعذر بالجهل إذ كان من حقه أن لا يحله حتى يحله الحاكم ، ويظهر صدقه . انتهى . حلف بعتق عبده المقيد أن قيده عشرة أرطال وحلف أيضا أنه لا يحله هو ولا غيره فشهد عدلان أن القيد خمسة أرطال فحكم بعتقه ثم حله فوجد وزنه عشرة أرطال
فإن قلت ليس هنا حاكم حكم عليه بحله فليس هذا مما نحن فيه قلت ممنوع ؛ لأن مفهومه أن الحاكم لو حله لا حنث ؛ لأنه لا مندوحة حينئذ ومثل حله كما هو ظاهر ما لو ألزم السيد بحله ولم يجد بدا من امتثال أمره ، ويؤخذ من الحكم عليه بالتقصير مع ظنه العتق بالشهادة أنه لا عبرة بجهل الحكم كما يأتي بسطه آخر الباب ولا بالجهل بالمحلوف عليه إذا نسب فيه إلى تقصير تعليقه عليه لما يأتي في النذر في والعتق أو العتق يلزمني لا أفعل كذا أنه لغو بشرطه ، وتردد بعضهم في أنا حيث ألحقنا حكم الحاكم بالإكراه هل يشترط قدرته على المحكوم عليه فلا أثر له في ظالم لا يمتثله والذي يتجه أنه لا فرق ؛ لأن الفرض أن المحكوم عليه فعل ذلك لداعية امتثال الشرع فلا فرق بين قدرة الحاكم على إجباره عليه حسا لو امتنع ، وإن لا وبما تقرر علم صحة ما أفتى به كثيرون من المتأخرين ودل عليه كلامهما في مواضع أن من والمراد بالحلف بعتقه لا يحنث ، ويأتي في الأيمان ما له تعلق بذلك . حلف لا يؤدي ما عليه فحكم عليه حاكم بأدائه