( فصل ) في الاستثناء ( يصح ) لوقوعه في القرآن والسنة وكلام العرب ، وهو : الإخراج بنحو إلا كأستثني وأحط كما مر في الإقرار ، وكذا التعليق بالمشيئة وغيرها من سائر التعليقات كما اشتهر شرعا فكل ما يأتي من الشروط ما عدا الاستغراق عام في النوعين ( بشرط اتصاله ) بالمستثنى منه عرفا بحيث يعد كلاما واحدا ، واحتج له الأصوليون بإجماع أهل اللغة وكأنهم لم يعتدوا بخلاف الاستثناء فيه لشذوذه بفرض صحته عنه ( ولا يضر ) في الاتصال ( سكتة تنفس وعي ) ونحوهما كعروض سعال وانقطاع صوت ، والسكوت للتذكر كما قالاه في الأيمان ، ولا ينافيه اشتراط قصده قبل الفراغ ؛ لأنه قد يقصده حالا ثم يتذكر العدد الذي يستثنيه [ ص: 62 ] وذلك ؛ لأن ما ذكر يسير لا يعد فاصلا عرفا بخلاف الكلام الأجنبي ، وإن قل لا ما له به تعلق ، وقد قل أخذا من قولهم : لو ابن عباس صح الاستثناء . قال : أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله
فإن قلت : : صرحوا بأن الاتصال هنا أبلغ منه بين إيجاب نحو البيع وقبوله ، والذي تقرر يقتضي أنه مثله قلت ممنوع بل لو سكت ثم عبثا يسيرا عرفا لم يضر ، وإن زاد على سكتة نحو التنفس بخلافه هنا ( قلت ويشترط أن ينوي الاستثناء ) وألحق به ما في معناه كأنت طالق بعد موتي ، وهو معلوم من قولنا : وكذا التعليق إلى آخره ( قبل فراغ اليمين في الأصح والله أعلم ) ؛ لأنه رافع لبعض ما سبق فاحتيج قصده للرفع بخلافه بعد فراغ لفظ اليمين إجماعا على ما حكاه غير واحد لكنه معترض بأن فيه وجها رجحه جمع وحكاه الروياني عن الأصحاب أما إذا اقترنت بكله فلا خلاف فيه أو بأوله فقط أو آخره فقط أو أثنائه فقط فيصح كما شمل ذلك كله المتن ، ويظهر أن يأتي في الاقتران هنا بأنت من أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أو إن دخلت ما مر في اقترانها بأنت من أنت بائن فإن قلت : لم لم يجر الخلاف المار في نية الكناية هنا ؟ قلت يمكن الفرق بأن المستثنى صريح في الرفع فكفى فيه أدنى إشعار به بخلاف الكناية فإنها لضعف دلالتها على الوقوع تحتاج إلى مؤكد أقوى ، وهو اقتران النية بكل اللفظ على ما مر ثم رأيت الشيخين نقلا عن المتولي وأقراه فيمن قال : أنت طالق ونوى إن دخلت أنه إن نوى ذلك أثناء الكلمة فوجهان كما في نية الكناية انتهى .
وهو يقتضي أن يأتي هنا ما مر في الكناية لكنه يشكل على المتن فإنه صرح ثم باقتران نيتها بكل اللفظ ، وهنا باكتفاء مقارنة النية لبعضه ، ولا مخلص عن ذلك إلا بما فرقت به ، وإنما ألحق ما ذكراه بالكناية ؛ لأن الرفع فيه على القول به بمجرد النية مثلها [ ص: 63 ] بخلاف ما هنا فتأمله أيضا أن يعرف معناه ولو بوجه وأن يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إن اعتدل سمعه ، ولا عارض ، وإلا لم يقبل وأن لا يجمع مفرق ، ولا يفرق مجتمع في مستثنى أو مستثنى منه أو فيهما لأجل الاستغراق أو عدمه و ( عدم استغراقه ) فالمستغرق كثلاثا إلا ثلاثا باطل إجماعا فيقع الثلاث ( ولو ( ويشترط ) فواحدة ) لما تقرر أنه لا يجمع مفرق لأجل الاستغراق بل يفرد كل بحكمه كما هو شأن المتعاطفات ، ومن ثم طلقت غير موطوءة في طالق وطالق واحدة ، وفي طلقتين [ ص: 64 ] ثنتين وإذا لم يجمع المفرق كان المعنى إلا ثنتين لا يقعان فتقع واحدة فيصير قوله وواحدة مستغرقا فيبطل وتقع واحدة ( وقيل ثلاث ) بناء على الجمع فيكون مستغرقا فيبطل من أصله ( أو ) أنت طالق ( ثنتين وواحدة إلا واحدة فثلاث ) ؛ لأنه إذا لم يجمع لأجل عدم الاستغراق كانت الواحدة مستثناة من الواحدة ، وهو مستغرق فيبطل ويقع الثلاث ( وقيل ثنتان ) بناء على الجمع في المستثنى منه قال : أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين وواحدة
( تنبيه ) من المستغرق كل امرأة لي طالق غيرك ، ولا امرأة له سواها صرح به السبكي وسبقه إليه القفال والقاضي في فتاويه غير المشهورة لكنه أعني القفال قيده بما إذا لم يقله على سبيل الشرط ؛ لأنه حينئذ استثناء ، وهو مع الاستغراق لا يصح فكأنه قال : أنت طالق إلا أنت ، ومن ثم قال في الروضة عن القفال : لو طلقت وأطلق قال كل امرأة لي طالق إلا عمرة وليس له امرأة سواها الإسنوي عدم الوقوع ، وقيده غيره بما إذا كانت قرينة ، والذي يتجه ترجيحه أنه يقع ما لم يرد أن غيرك صفة أخرت من تقديم ، وهو مراد القفال بإرادة الشرط أو تقم قرينة على إرادتها كأن خاطبته بتزوجت علي ؟ فقال : كل إلخ ويوجه ذلك بأن ظاهر اللفظ الاستثناء فأوقعنا به قصد الاستثناء أو أطلق ؛ لأنه حيث لا قصد للصفة ، ولا قرينة لم يعارض ذلك الظاهر شيء ، وقول الإسنوي : الأصل بقاء العصمة يرد بأنهم أخذوا بظاهر اللفظ في مسائل كثيرة كما هو واضح من كلامهم ، ولم يلتفتوا للأصل المذكور ومما يؤيد الحمل فيما ذكر على الاستثناء لكونه المتبادر من هذا اللفظ قول الرضي حمل غير على إلا أكثر من العكس ، وقول الرافعي عن الجمهور في له علي درهم غير دانق بالرفع يلزمه خمسة دوانق عند الجمهور ؛ لأنه السابق إلى فهم أهل العرف ، وإن أخطأ في الإعراب انتهى .
وزعم أن في إرادة الصفة نسخ اللفظ بعد وقوعه كما في أنت طالق غير طالق يرد بأن هذا لا انتظام فيه بل يعد كلاما مفلتا عرفا بخلاف : كل امرأة لي طالق غيرك ، وإذا كان منتظما عرفا فالكلام لا يتم إلا بآخره ، وقول الإسنوي إن الخوارزمي صرح في صورة التأخير بعدم الوقوع سهوا فإن الذي في عبارته تقديم سواك على طالق ، وهي : خطب امرأة فامتنعت ؛ لأنه متزوج فوضع امرأته في المقابر ثم قال : كل امرأة لي [ ص: 65 ] سوى التي في المقابر طالق لم يقع عليه طلاق انتهى وهذه أعني : كل امرأة لي غيرك طالق لا نزاع في عدم الوقوع فيها أي إلا أن ينوي الاستثناء نصب أو لا وفارق غيرك صفة غيرك استثناء بأن الأولى تفيد السكوت عما بعدها كجاء رجل غير زيد فزيد لم يثبت له مجيء ، ولا عدمه والثانية تفيد لما بعدها ضد ما قبلها ، ولا فرق في الحالين أعني تقديم غير وتأخيرها بين الجر وقسيميه ؛ لأن اللحن بفرض تأتيه هنا لا يؤثر ، ولا بين النحوي وغيره ، ولا بين غير وسوى ، وإذا صرح الخوارزمي في سوى بما مر مع قول جمع إنها لا تكون صفة فغير المتفق على جواز كونها صفة أولى