فكأنه قيل: ما قال لهم على قدرته وتمكنه مع ما سلف من إساءتهم؟ فقيل: قال قول الكرام اقتداء بإخوانه من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لا تثريب أي لا لوم ولا تعنيف ولا هلاك عليكم اليوم وإن كان هذا الوقت مظنة اللوم والتأنيب، فإذا انتفى ذلك فيه فما الظن بما بعده!
ومادة "ثرب" تدور على البرث - بتقديم الموحدة، وهو أسهل الأرض وأحسنها; ولثبرة - بتقديم المثلثة: أرض ذات حجارة بيض، فإنه يلزمه الإخلاد، والدعة، ومنه: ثابر على الأمر: دوام، والمثبر - كمنزل: لمسقط الولد أي موضع ولادته، والمقطع والمفصل، فيأتي الكسل واللين فيأتي الفساد، ومنه الثبور للهلاك، [والبثر] بتقديم الموحدة: خراج معروف: والماء البثر: الذي بقى منه على الأرض شيء قليل; والربث - بتقديم الموحدة أيضا: حبس الإنسان، [ ص: 211 ] وهو يرجع إلى الإقامة والدوام أيضا; والتثريب: التقرير بالذنب، فهو إزالة ما على الإنسان من ساتر العفو، من الثرب وهو شحم يغشى الكرش والأمعاء ويسترهما، وهو من لوازم الأرض السهلة لما يلزم من خصبها، فالتثريب إزالته، وذلك للقحط الناشئ عنه الهلاك، فأغلب مدار المادة الهلاك.
ولما أعفاهم من الترثيب، كانوا في مظنة السؤال عن كمال العفو المزيل للعقاب من الله، فأتبعه الجواب عن ذلك بالدعاء لهم بقوله: يغفر الله أي الذي له صفات الكمال "لكم" أي ما فرط منكم وما لعله يكون بعد هذا; ولعله عبر في هذا الدعاء بالمضارع إرشادا لهم إلى إخلاص التوبة، ورغبهم في ذلك ورجاهم بالصفة التي هي سبب الغفران، فقال: "وهو" أي وحده أرحم الراحمين أي لجميع العباد ولا سيما التائب، فهو جدير بإدرار النعم بعد الإعاذة من النقم، وروى أنهم أرسلوا إليه أنك لتدعونا إلى طعامك وكرامتك بكرة وعشيا ونحن نستحي لما فرط منا، فقال: إن أهل مصر ينظرونني - وإن ملكت فيهم - بعين العبودية فيقولون: سبحان من بلغ عبدا [بيع] بعشرين درهما ما بلغ، ولقد شرفت الآن [ ص: 212 ] بكم وعظمت في العيون حيث علم الناس أنكم إخوتي، وأني من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام.