ولما ثبت قطعا بما أقام من الدليل على عظيم قدرته بما أودعه من الغرائب في ملكوته التي لا يقدر عليها سواه أن هذا إنما هو فعل واحد قهار مختار يوجد المعدوم ويفاوت بين ما تقتضي الطبائع اتحاده، كان إنكار شيء من قدرته عجبا، فقال عطفا على قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=1ولكن أكثر الناس لا يؤمنون مشيرا إلى أنهم يقولون: إن الوعد بالبعث سحر لا حقيقة له
nindex.php?page=treesubj&link=28760_29702_30179_30351_30431_30437_30539_33679_34513_28984nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وإن تعجب أي يوما من الأيام أو ساعة من الدهر فاعجب من
[ ص: 282 ] إنكارهم البعث
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5فعجب عظيم لا تتناهى درجاته في العظم
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5قولهم بعد ما رأوا من الآيات الباهرة والدلالات الناطقة بعظيم القدرة على كل شيء منكرين:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أإذا كنا ترابا واختلط التراب الذي تحولنا إليه بالتراب الأصلي فصار لا يتميز، ثم كرروا التعجب والإنكار بالاستفهام ثانيا فقالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أإنا لفي خلق جديد هذا قولهم بعد أن فصلنا من الآيات ما يوجب أنهم بلقاء ربهم يوقنون، وهذا الاستفهام الثاني مفسر لما نصب الأول بما فيه من معنى " أنبعث " ، والعجب: تغير النفس بما خفي سببه عن العادة، والجديد: المهيا بالقطع إلى التكوين قبل التصريف في الأعمال، وأصل الصفة القطع; قال
nindex.php?page=showalam&ids=14387الرماني : وقد قيل: لا خير فيمن لا يتعجب من العجب، وأرذل منه من يتعجب من غير عجب - انتهى، يعني: فالكفار تعجبوا من غير عجب: ومن تعجبهم فقد تعجب من العجب.
ولما كان هذا إنكار المحسوس من القدرة، استحقوا ما يستحق من يطعن في ملك الملك، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أولئك أي الذين جمعوا أنواعا من البعد مع كل خير
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5الذين كفروا بربهم أي غطوا كل ما يجب
[ ص: 283 ] إظهاره بسبب الاستهانة بالذي بدأ خلقهم ثم رباهم بأنواع اللطف، فإذا أنكروا معادهم فقد أنكروا مبدأهم
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وأولئك [أي] البعداء البغضاء
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5الأغلال أي الحدائد التي تجمع أيدي الأسرى إلى أعناقهم، ويقال لها: جوامع، وتارة تكون في الأعناق فقط يعذب بها الناس; ولما كان طرفا العنق غليظين، فلا تكون إحاطة الجامعة منها إذا كانت ضيقة إلا بالوسط، جعل الأعناق ظروفا باعتبار أنها على بعض منها، وذلك كناية عن ضيقها، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5في أعناقهم أي بكفرهم وإن لم تكن الأغلال مشاهدة الآن، فهي لقدرة المهدد بها على الفعل كأنها موجودة، وهم منقادون لما قدر عليهم من أسبابها كما يقاد المغلول بها إلى ما يريد قائده، والغل: طوق تقيد به اليد في العنق، وأصله: انغل في الشيء - إذا انتشب فيه، وغل المال - إذا خان بانتشابه في [المال] الحرام
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وأولئك أي الذين لا خسارة أعظم من خسارتهم
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أصحاب النار ولما كانت الصحبة تقتضي الملازمة، صرح بها فقال: "هم" أي خاصة
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5فيها أي متمحضة لا يخلطها نعيم
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5خالدون أي ثابت خلودهم دائما.
وَلَمَّا ثَبَتَ قِطَعًا بِمَا أَقَامَ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ بِمَا أَوْدَعَهُ مِنَ الْغَرَائِبِ فِي مَلَكُوتِهِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا سِوَاهُ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ قَهَّارٌ مُخْتَارٌ يُوجِدُ الْمَعْدُومَ وَيُفَاوِتُ بَيْنَ مَا تَقْتَضِي الطَّبَائِعُ اتِّحَادَهُ، كَانَ إِنْكَارُ شَيْءٍ مِنْ قُدْرَتِهِ عَجَبًا، فَقَالَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=1وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْوَعْدَ بِالْبَعْثِ سِحْرٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28760_29702_30179_30351_30431_30437_30539_33679_34513_28984nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وَإِنْ تَعْجَبْ أَيْ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ أَوْ سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ فَاعْجَبْ مِنْ
[ ص: 282 ] إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5فَعَجَبٌ عَظِيمٌ لَا تَتَنَاهَى دَرَجَاتُهُ فِي الْعِظَمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5قَوْلُهُمْ بَعْدَ مَا رَأَوْا مِنَ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ وَالدَّلَالَاتِ النَّاطِقَةِ بِعَظِيمِ الْقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُنْكِرِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَاخْتَلَطَ التُّرَابُ الَّذِي تُحَوِّلْنَا إِلَيْهِ بِالتُّرَابِ الْأَصْلِيِّ فَصَارَ لَا يَتَمَيَّزُ، ثُمَّ كَرَّرُوا التَّعَجُّبَ وَالْإِنْكَارَ بِالِاسْتِفْهَامِ ثَانِيًا فَقَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ هَذَا قَوْلُهُمْ بَعْدَ أَنْ فَصَّلْنَا مِنَ الْآيَاتِ مَا يُوجِبُ أَنَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُوقِنُونَ، وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ الثَّانِي مُفَسِّرٌ لِمَا نُصِبَ الْأَوَّلُ بِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنًى " أَنْبَعَثَ " ، وَالْعَجَبُ: تَغَيُّرُ النَّفْسِ بِمَا خَفِيَ سَبَبُهُ عَنِ الْعَادَةِ، وَالْجَدِيدُ: الْمُهَيَّا بِالْقَطْعِ إِلَى التَّكْوِينِ قَبْلَ التَّصْرِيفِ فِي الْأَعْمَالِ، وَأَصْلُ الصِّفَةِ الْقَطْعُ; قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14387الرُّمَّانِيُّ : وَقَدْ قِيلَ: لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَتَعَجَّبُ مِنَ الْعَجَبِ، وَأَرْذَلُ مِنْهُ مَنْ يَتَعَجَّبُ مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ - انْتَهَى، يَعْنِي: فَالْكُفَّارُ تَعَجَّبُوا مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ: وَمَنْ تَعَجَّبَهُمْ فَقَدْ تَعَجَّبَ مِنَ الْعَجَبِ.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا إِنْكَارُ الْمَحْسُوسِ مِنَ الْقُدْرَةِ، اسْتَحَقُّوا مَا يَسْتَحِقُّ مَنْ يَطْعَنُ فِي مَلِكِ الْمُلْكِ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أُولَئِكَ أَيِ الَّذِينَ جَمَعُوا أَنْوَاعًا مِنَ الْبُعْدِ مَعَ كُلِّ خَيْرٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَيْ غَطُّوا كُلَّ مَا يَجِبُ
[ ص: 283 ] إِظْهَارُهُ بِسَبَبِ الِاسْتِهَانَةِ بِالَّذِي بَدَأَ خَلْقَهُمْ ثُمَّ رَبَّاهُمْ بِأَنْوَاعِ اللُّطْفِ، فَإِذَا أَنْكَرُوا مَعَادَهُمْ فَقَدْ أَنْكَرُوا مَبْدَأَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وَأُولَئِكَ [أَيِ] الْبُعَدَاءُ الْبَغْضَاءُ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5الأَغْلالُ أَيِ الْحَدَائِدِ الَّتِي تَجْمَعُ أَيْدِي الْأَسْرَى إِلَى أَعْنَاقِهِمْ، وَيُقَالُ لَهَا: جَوَامِعُ، وَتَارَةً تَكُونُ فِي الْأَعْنَاقِ فَقَطْ يُعَذَّبُ بِهَا النَّاسُ; وَلَمَّا كَانَ طَرَفَا الْعُنُقِ غَلِيظَيْنِ، فَلَا تَكُونُ إِحَاطَةُ الْجَامِعَةِ مِنْهَا إِذَا كَانَتْ ضَيِّقَةً إِلَّا بِالْوَسَطِ، جَعَلَ الْأَعْنَاقَ ظُرُوفًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا عَلَى بَعْضٍ مِنْهَا، وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ ضِيقِهَا، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5فِي أَعْنَاقِهِمْ أَيْ بِكُفْرِهِمْ وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْأَغْلَالُ مُشَاهَدَةً الْآنَ، فَهِيَ لِقُدْرَةِ الْمُهَدَّدِ بِهَا عَلَى الْفِعْلِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ، وَهُمْ مُنْقَادُونَ لِمَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَسْبَابِهَا كَمَا يُقَادُ الْمَغْلُولُ بِهَا إِلَى مَا يُرِيدُ قَائِدُهُ، وَالْغِلُّ: طَوْقٌ تُقَيَّدُ بِهِ الْيَدُ فِي الْعُنُقِ، وَأَصْلُهُ: انْغَلَّ فِي الشَّيْءِ - إِذَا انْتَشَبَ فِيهِ، وَغَلَّ الْمَالُ - إِذَا خَانَ بِانْتِشَابِهِ فِي [الْمَالِ] الْحَرَامِ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وَأُولَئِكَ أَيِ الَّذِينَ لَا خَسَارَةَ أَعْظَمُ مِنْ خَسَارَتِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أَصْحَابُ النَّارِ وَلَمَّا كَانَتِ الصُّحْبَةُ تَقْتَضِي الْمُلَازَمَةَ، صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ: "هُمْ" أَيْ خَاصَّةً
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5فِيهَا أَيْ مُتَمَحِّضَةً لَا يَخْلِطُهَا نَعِيمٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5خَالِدُونَ أَيْ ثَابِتٌ خُلُودُهُمْ دَائِمًا.