الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 153 ] ( ودم الإحصار على الآمر ) وهذا عند أبي حنيفة ومحمد ( وقال أبو يوسف : على الحاج ) لأنه وجب للتحلل [ ص: 154 ] دفعا لضرر امتداد الإحرام ، وهذا راجع إليه فيكون الدم عليه . ولهما أن الآمر هو الذي أدخله في هذه العهدة فعليه خلاصه ( فإن كان يحج عن ميت فأحصر فالدم في مال الميت ) عندهما خلافا لأبي يوسف رحمه الله ، ثم قيل : هو من ثلث مال الميت لأنه صلة كالزكاة وغيرها . وقيل من جميع المال لأنه وجب حقا للمأمور فصار دينا ( ودم الجماع على الحاج ) لأنه دم جناية وهو الجاني عن اختيار ( ويضمن النفقة ) معناه : إذا جامع قبل الوقوف حتى فسد حجه لأن الصحيح هو المأمور به ، بخلاف ما إذا فاته الحج حيث لا يضمن النفقة لأنه ما فاته باختياره .

أما إذا جامع بعد الوقوف لا يفسد حجه ولا يضمن النفقة لحصول مقصود الأمر .

وعليه الدم في ماله لما بينا ، وكذلك سائر دماء الكفارات على الحاج لما قلنا

التالي السابق


( قوله ودم الإحصار إلخ ) الدماء الواجبة في الحج إما دم الإحصار وهو على الآمر عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف على [ ص: 154 ] المأمور ، فإن كان المحجوج عنه ميتا ففي ماله عندهما . ثم هل هو من الثلث أو من كل المال ؟ خلاف بين المشايخ وتقرير الوجه من الجانبين ظاهر من الكتاب فلا نطيل به ، ثم يجب عليه الحج من قابل بمال نفسه وإما دم القران وقد تقدم ، قالوا : هذا ودم القران يشهدان لمحمد رحمه الله ، وقد تكلمنا في دم القران . وأما كون حج القضاء من مال نفسه فلأنه لم يتم الأفعال بسبب الإحصار ، وإنما يقع ما هو مسمى الحج عنه ولم يتحقق .

وإما دم الجناية كجزاء صيد وطيب وشعر وجماع ففي مال الحاج اتفاقا لأنه هو الجاني عن اختيار ، والأمر بالحج لا ينتظم الجناية بل ينتظم ظاهرا عدمها فيكون مخالفا في فعلها فيثبت موجبها في ماله ، ثم إن كان الجماع قبل الوقوف حتى فسد الحاج ضمن النفقة للمخالفة وعليه القضاء لا يشكل كونه في مال نفسه ، وإن كان بعده لا يفسد ولا يضمن النفقة ، ولو فاته الحج لا يضمن النفقة لعدم المخالفة فهو كالمحصر وعليه الحج من قابل بمال نفسه .

ولو أتم الحج إلا طواف الزيارة فرجع ولم يطفه لا يضمن النفقة ، غير أنه حرام على النساء ويعود بنفقة نفسه ليقضي ما بقي عليه لأنه جان في هذه الصورة ، أما لو مات بعد الوقوف قبل الطواف جاز عن الآمر لأنه أدى الركن الأعظم ، وإما دم رفض النسك ولا يتحقق ذلك إذا تحقق إلا في مال الحاج ، ولا يبعد أنه لو فرض أنه أمره أن يحرم بحجتين معا ففعل حتى ارتفضت إحداهما كونه على الآمر ولم أره ، والله تعالى أعلم




الخدمات العلمية