الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 15 ] ( وإذا عاد المتمتع إلى بلده بعد فراغه من العمرة ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه ) ; لأنه ألم بأهله فيما بين النسكين إلماما صحيحا وبذلك يبطل التمتع ، كذا روي عن عدة من التابعين ، وإذا ساق الهدي فإلمامه لا يكون صحيحا ولا يبطل تمتعه عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله . وقال محمد : رحمه الله يبطل ; لأنه أداهما بسفرتين . ولهما أن العود مستحق عليه ما دام على نية التمتع ; لأن السوق يمنعه من التحلل فلم يصح إلمامه ، بخلاف المكي إذا خرج إلى الكوفة وأحرم بعمرة وساق الهدي حيث لم يكن متمتعا ; لأن العود هناك غير مستحق عليه فصح إلمامه [ ص: 16 ] بأهله .

التالي السابق


( قوله : وإذا عاد ) الحاصل أن عود الآفاقي الفاعل للعمرة في أشهر الحج إلى أهله ثم رجوعه وحجه من عامه إن كان لم يسق الهدي بطل تمتعه باتفاق علمائنا ، وإن كان ساق الهدي فكذلك عند محمد . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا يبطل إلحاقا لعوده بالعدم بسبب استحقاق الرجوع شرعا إذا كان على عزم المتعة . والتقييد بعزم المتعة لنفي استحقاق العود شرعا عند عدمه فإنه لو بدا له بعد العمرة أن لا يحج من عامه لا يؤاخذ بذلك فإنه لم يحرم بالحج بعد ، وإذا ذبح الهدي أو أمر بذبحه يقع تطوعا ، ثم استدل المصنف عليه بقول التابعين ، وقول من نعلمه قاله منهم مطلق ، والظاهر أنهم أيضا أخذوه من قوله تعالى { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } إذ لا سنة ثابتة في ذلك من روايتهم .

روى الطحاوي [ ص: 16 ] عن سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد والنخعي أن المتمتع إذا رجع بعد العمرة بطل تمتعه ، وكذا ذكر الرازي في كتاب [ أحكام القرآن ] . والذي يظهر من مقتضى الدليل أن لا تمتع لأهل مكة ولا قران ، وأن رجوع الآفاقي إلى أهله ثم عوده وحجه من عامه لا يبطل تمتعه مطلقا . وهذا ; لأن الله تعالى قيد جواز التمتع بعدم الإلمام بالأهل القاطنين بالمسجد الحرام : أي مكة ومن ألحق بأهلها بقوله تعالى { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } فأفاد مانعية الإلمام عن المتمتع وعليته لعدم الجواز بقيد كونه في مكة ، فتعدية المنع بتعدية الإلمام إلى ما بغير حاضري المسجد الحرام من الأهل تبتنى على إلغاء قيد الكون بالمسجد الحرام واعتبار المؤثر مطلق الإلمام ، وصحته تتوقف على عقلية عدم دخول القيد في التأثير ، وكونه طرديا ، والواقع خلافه للعلم بأن حصول الرفق التام بشرعية العمرة في أشهر الحج المنتهض مؤثرا في إيجاب الشكر إذا حج في تلك الأشهر التي اعتمر فيها إنما هو للآفاقي لا لحاضري المسجد الحرام القاطنين فيه ; لأنهم لا يلحقهم من المشقة نحو ما يلحق الآفاقي بمنع العمرة في أشهر الحج ، بخلاف الآفاقي فكان فائدة شرعية العمرة فيها في حق الآفاقي هو الظاهر فناسب أن يخص هو بشرعية المتمتع فكان قيد حضور الأهل في الحرم ظاهر الاعتبار في المنع من التمتع فلا يجوز إلغاؤه ، والله سبحانه أعلم




الخدمات العلمية