الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا شرب صبيان من لبن شاة لم يتعلق به التحريم ) ; لأنه لا جزئية بين الآدمي والبهائم والحرمة باعتبارها .

التالي السابق


( قوله وإذا شرب صبيان من لبن شاة فلا رضاع محرم بينهما ; لأنه لا جزئية بين الآدمي والبهائم والحرمة باعتبارها ) اعلم أن ثبوت الحرمة بالرضاع بطريق الكرامة للجزئية فإن الوطء ابتذال وامتهان وإرقاق ، ولهذا روي عنه صلى الله عليه وسلم قال { النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته } ولا يحسن صدوره من مستفيد جزء بنفسه وحياته لمفيدها إذا كان الرضيع صبيا بالنسبة إلى المرضعة تكرمة لها ، وجعلت في الشرع أما له بسبب أن جزأها صار جزأه كما أن الأم من النسب كذلك إذ جزؤه جزأها وجزؤه الآخر جزء الأب ، والبهائم ليست بهذه المرتبة في اعتبار خالقها جل ذكره فإنما خلقها لابتذال [ ص: 457 ] الآدمي لها على إنحاء الابتذال المأذون فيه من مالكها سبحانه ، قال تعالى { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع } وفي آية أخرى { فمنها ركوبهم ومنها يأكلون } وهو سبحانه مالك الأشياء والحكيم على الإطلاق والعليم بالقوابل التي بها يحصل التفضيل الدنيوي ، فلم يثبت سبحانه بواسطة الاغتذاء بلبنها ، بل ولحمها وحصول الجزء منه مزية لها على الآدمي توجب مثل ما توجب لمساويه في نوعه من الإكرام والاحترام ، فلم تعتبر الشاة أم الصبي وإلا لكان الكبش أباه ، والأختية فرع الأمية ، وكذا سائر الحرم بعدها إنما تثبت بتبعية الأمية حتى الأبوية فإنه لا جزء في الرضيع منه ، بخلاف الأب من النسب ; لأن جزأه انفصل في ولده الذي نزل اللبن بسببه ولم يستقر في المرأة شيء منه بحيث يكون في لبنها جزء منه فكيف واللبن إنما يتولد من الغذاء ، والكائن من ماء الرجل إنما يصل من أسفل والتغذي لبقاء الحياة والجزء لا يكون إلا مما يصل من الأعلى إلى المعدة ولكن لما أثبت الشرع أمية زوجته عن إرضاع لبن هو سبب فيه أثبت لهوية الرجل الأبوة وحين لا أم ولا أب فلا إخوة ولا تحريم . ونقل أن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح أفتى في بخارى بثبوت الحرمة بين صبيين ارتضعا شاة فاجتمع علماؤها عليه وكان سبب خروجه منها ، والله سبحانه أعلم .

ومن لم يدق نظره في مناطات الأحكام وحكمها كثر خطؤه وكان ذلك في زمن الشيخ أبي حفص الكبير ومولده مولد الشافعي فإنهما معا ولدا في العام الذي توفي فيه أبو حنيفة وهو عام خمسين ومائة .




الخدمات العلمية