الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 239 ] ( وللحر أن يتزوج أربعا من الحرائر والإماء ، وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك ) لقوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } والتنصيص على العدد يمنع الزيادة عليه . [ ص: 240 ] وقال الشافعي رحمه الله : لا يتزوج إلا أمة واحدة لأنه ضروري عنده : والحجة عليه ما تلونا إذ الأمة المنكوحة ينتظمها اسم النساء كما في الظهار .

التالي السابق


( قوله من الحرائر والإماء ) أي جمعا وتفريقا ، إلا أن في الجمع إنما يجوز إذا أخر الحرائر ( قوله وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك ) اتفق عليه الأئمة الأربعة وجمهور المسلمين ، وأما الجواري فله ما شاء منهن . وفي الفتاوى : رجل له أربع نسوة وألف جارية ، أراد أن يشتري جارية أخرى فلامه رجل آخر يخاف عليه الكفر . وقالوا : إذا ترك أن يتزوج كي لا يدخل الغم على زوجته التي كانت عنده كان مأجورا . وأجاز الروافض تسعا من الحرائر . ونقل عن النخعي وابن أبي ليلى ، وأجاز الخوارج ثماني عشرة . وحكي عن بعض الناس إباحة أي عدد شاء بلا حصر . وجه الأول أنه بين العدد المحلل بمثنى وثلاث ورباع بحرف الجمع والحاصل من ذلك تسع . وجه الثاني ذلك ، إلا أن مثنى وثلاث ورباع معدول عن عدد مكرر على ما عرف في العربية فيصير الحاصل ثمانية عشر .

وكأن وجه الثالث العمومات من نحو { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } ولفظ مثنى إلى آخره تعداد عرفي له لا قيد ، كما يقال خذ من البحر ما شئت قربة وقربتين وثلاثا . ويخص الأولين تزوجه صلى الله عليه وسلم تسعا ، والأصل عدم الخصوصية إلا بدليل . والحجة عليهم أن آية الإحلال هاهنا وهي قوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } لم تسق إلا لبيان العدد المحلل لا لبيان نفس الحل ، لأنه عرف من غيرها قبل نزولها كتابا وسنة فكان ذكره هنا معقبا بالعدد ليس إلا لبيان قصر الحل عليه ، أو هي لبيان الحل المقيد بالعدد لا مطلقا ، كيف وهو حال مما طاب فيكون قيدا في العامل وهو الإحلال المفهوم من فانكحوا ، ثم إن مثنى معدول عن عدد مكرر لا يقف عند حد هو اثنان اثنان هكذا إلى ما لا يقف ، وكذا ثلاث في ثلاثة ثلاثة ، ومثله رباع في أربعة أربعة ، فمؤدى التركيب على [ ص: 240 ] هذا ما طاب لكم ثنتين ثنتين جمعا في العقد أو على التفريق وثلاثا ثلاثا جمعا أو تفريقا وأربعا أربعا كذلك ، ثم هو قيد في الحل على ما ذكرنا فانتهى الحل إلى أربع مخير فيهن بين الجمع والتفريق .

وأما حل الواحدة فقد كان ثابتا قبل هذه الآية بحل النكاح لأن أقل ما يتصور بالواحدة . فحاصل الحال أن حل الواحدة كان معلوما ، وهذه الآية لبيان حل الزائد عليها إلى حد معين مع بيان التخيير بين الجمع والتفريق في ذلك ، وبه يتم جواب الفريقين . أو نقول : عرف حل الواحدة لقوله تعالى { فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة } فكان العدد على الوجه الذي ذكرنا محللا عند عدم خوف الجور ، ثم أفاد أن عند خوفه بقصر الحل على واحدة وإنما لم يعطف بأو فيقال أو ثلاث أو رباع ، لأنه لو ذكر بأو لكان الإحلال مقتصرا على أحد هذه الأعداد وليس بمراد ، بل المراد أن لهم أن يحصلوا هذه الأعداد إن شاءوا بطريق التثنية وإن شاءوا بطريق التثليث وإن شاءوا بطريق التربيع ، فانتفى بذلك صحة التسع والثماني عشرة ، ويدل على الخصوصية ما روى الترمذي عن عبد الله بن عمر { أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير منهن أربعا } ومثله وقع لفيروز الديلمي وقيس بن حارثة . والمراد من قوله والتنصيص على العدد يمنع الزيادة العدد المذكور : يعني التنصيص على هذا العدد ، فكان اللام للعهد الذكري أو الحضوري ، وإنما كان هذا العدد يمنع الزيادة وإن كان من حيث هو عدد لا يمنعها كما في قوله صلى الله عليه وسلم { ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح ، والطلاق ، والرجعة } حيث ألحق بها اليمين والنذر والعتق لوقوعه حالا قيدا في الإحلال على ما قررنا ، وبه يندفع الإيراد بأنه من حيث هو عدد لا يمنع كما ذكرنا .

والحاصل أنه قد تمتنع معه الزيادة والنقص كعدد ركعات الصلاة وقد لا ولا نحو سبعين مرة في قوله تعالى { استغفر لهم } الآية ، وقد تمتنع الزيادة كما ذكرنا أو النقص فقط كما في أقل الحيض وشيء من ذلك ليس لذات العدد بل لخوارج كمنع الزيادة هنا لتقييد الحل وفي كل موضع يطلب السبب ( قوله والحجة عليه ما تلوناه ) وهو عموم { ما طاب لكم من النساء } مقتصرا على العدد المذكور ، وقوله إذ الأمة والمنكوحة يريد بالمنكوحة الحرة ، وإلا فالمنكوحة لا تنافي الأمة مع أن المراد هنا بالأمة ليس إلا الأمة المنكوحة ، وفي كثير من النسخ المنكوحة على الصفة . واعترض بأن المراد الاستدلال بجواز تزوج الإماء أكثر من واحدة لتناول اسم النساء ذلك . وعلى ما قال من وجه التناول يلزم نكاح المنكوحة والمنكوحة لا تنكح ، فكان ينبغي أن لا يذكر المنكوحة أصلا ، والعناية به أن يراد المنكوحة بالقوة : أي التي يريد أن ينكحها ينتظمها إلخ .




الخدمات العلمية