الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن أودع رجلا ألف درهم وأحال بها عليه آخر فهو جائز لأنه أقدر على القضاء ، فإن هلكت برئ ) لتقيدها بها ، فإنه ما التزم الأداء إلا منها ، بخلاف ما إذا كانت مقيدة بالمغصوب [ ص: 248 ] لأن الفوات إلى خلف كلا فوات ، وقد تكون الحوالة مقيدة بالدين أيضا ، وحكم المقيدة في هذه الجملة أن لا يملك المحيل مطالبة المحتال عليه [ ص: 249 ] لأنه تعلق به حق المحتال على مثال الرهن وإن كان أسوة للغرماء بعد موت المحيل ، وهذا لأنه لو بقي له مطالبته فيأخذه منه لبطلت الحوالة وهي حق المحتال . [ ص: 250 ] بخلاف المطلقة لأنه لا تعلق لحقه به بل بذمته فلا تبطل الحوالة بأخذ ما عليه أو عنده .

التالي السابق


( قوله ومن أودع رجلا ألف درهم وأحال بها عليه آخر فهو جائز لأنه أقدر على القضاء ) لتيسر ما يقضى به وحضوره ، بخلاف الدين عليه ( فإن هلكت برئ ) المحال عليه وهو المودع ( لتقيدها بها ) أي لتقيد الحوالة الوديعة التي هلكت ( فإنه ) أي الرجل ( ما التزم الأداء إلا منها ، بخلاف ما إذا كانت الحوالة مقيدة ) بعين ( مغصوب ) عرض أو ألف درهم مثلا ، فإنه إذا هلك المغصوب المحال به لا تبطل [ ص: 248 ] الحوالة ولا يبرأ المحال عليه لأن الواجب على الغاصب رد العين ، فإن عجز رد المثل أو القيمة ، فإذا هلك في يد الغاصب المحال عليه لا يبرأ ( لأن ) له خلفا و ( الفوات إلى خلف كلا فوات ) فبقيت متعلقة بخلفه فيرد خلفه على المحتال ( وقد تكون الحوالة مقيدة بالدين أيضا ) بأن يحيله بدينه الذي له على فلان المحال عليه فصارت المقيدة بالتفصيل ثلاثة أقسام : مقيدة بعين أمانة ، وبعين مضمونة ، وبدين خاص ( وحكم المقيدة في هذه الجملة ) أعني الأقسام الثلاثة ( أن لا يملك المحيل مطالبة المحال عليه ) بذلك العين ولا بذلك الدين [ ص: 249 ] لأن الحوالة ) لما قيدت بها ( تعلق حق الطالب به ) وهو استيفاء دينه منه ( على مثال الرهن ) وأخذ المحيل يبطل هذا الحق فلا يجوز ; فلو دفع المحال عليه العين أو الدين إلى المحيل ضمنه للطالب فإنه استهلك ما تعلق به حق المحتال كما إذا استهلك الرهن أحد يضمنه للمرتهن لأنه يستحقه .

ولما كان تشبيه المصنف بالرهن يتبادر أنه لو هلك المحيل وعليه دين آخر غير دين المحتال ينبغي أن يختص المحتال بذلك الدين الذي أحيل به أو العين وليس كذلك ، بينه المصنف فقال ( وإن كان ) أي المحتال ( أسوة الغرماء ) فيه ( بعد موت المحيل ، وهذا لأنه لو بقي ) للمحيل ( حق المطالبة ) بما أحال به من الأمر المعين ( فيأخذه منه بطلت الحوالة و ) الواقع ( أنها حق المحتال ) فليس له أن يبطل حقه ، وترك الفرق بين الرهن والمحال به دينا أو عينا ، والفرق ما قدمناه أنه وإن كان حق المحتال متعلقا بالعين المخصوصة أو الدين كما يتعلق حق الدائن بالرهن المعين لكن ليس له يد ولا ملك والمرتهن له يد ثابتة مع الاستحقاق فكان له زيادة اختصاص ، وإذا كان المحتال أسوة الغرماء فلو قسم ذلك الدين أو العين بين غرماء المحيل وأخذ المحتال حصته لا يكون له أن يرجع على المحال عليه ببقية دينه ، وهو ظاهر لتقيد الحوالة بذلك المقسم . هذا ومن أحكام الحوالة المقيدة بالدين أو العين أنه لو أبرأ المحتال المحتال عليه صح الإبراء وكان للمحيل أن يرجع على المحال عليه بدينه ، ولو وهب المحتال دينه من المحتال عليه أو مات المحتال له وورثه المحتال عليه لا يكون للمحيل أن يرجع على المحتال عليه .

والفرق أن الهبة من أسباب الملك ، وكذا الإرث ، فملك المحتال عليه ما في ذمته بالهبة فهو كما لو ملكه بالأداء ، ولو أدى لا يرجع المحيل عليه ، فكذا إذا ملكه بالهبة ، بخلاف الإبراء فإنه في الأصل موضوع للإسقاط فلا يملك به المحتال عليه ما في ذمته وإنما خرج به عن ضمانه للمحتال دينه وهو الشاغل لدين المحيل فبقي دين المحيل على المحتال عليه بلا شاغل فيرجع به عليه [ ص: 250 ] وقوله بخلاف المطلقة ) يتصل بقوله لا يملك المحيل مطالبة المحتال عليه بالعين المحال به والدين . والحاصل أن الحوالة قسمان ، مقيدة كما ذكرنا ، ومطلقة .

وهي أن يقول المحيل للطالب أحلتك بالألف التي لك على هذا الرجل ولم يقل ليؤديها من المال الذي لي عليه ، فإذا أحال كذلك وله عند ذلك الرجل وديعة أو مغصوبة أو دين كان له أن يطالب به ( لأنه ) أي الشأن ( لا تعلق لحق المحتال به ) أي بذلك العين أو الدين لوقوعها مطلقة عنه ( بل بذمة المحتال عليه ) وفي الذمة سعة ( فيأخذ دينه أو عينه من المحتال عليه لا تبطل الحوالة ) وما عليه يرجع إلى الدين أو الغصب أو عنده يرجع إلى الوديعة . ومن المطلقة أن يحيل على رجل ليس له عنده ولا عليه شيء . وتنقسم المطلقة إلى حالة ومؤجلة . فالحالة أن يحيل الطالب بألف وهي على المحيل حالة فتكون على المحتال عليه حالة لأن الحوالة لتحويل الدين فيتحول بالصفة التي هي على الأصيل وليس للمحتال عليه أن يرجع على الأصيل قبل أن يؤدي ، ولكن له إذا لوزم أن يلازمه ، وإذا حبس أن يحبسه .

والمطلقة المؤجلة له على رجل ألف إلى سنة فأحال الطالب عليه إلى سنة كانت عليه إلى سنة ; ولو حصلت الحوالة مبهمة لم يذكره محمد ، وقالوا : ينبغي أن تثبت مؤجلة كما في الكفالة لأنه تحمل ما على الأصيل بأي صفة كان ، فلو مات المحيل لم يحل المال على المحتال عليه ، لأن حلول الأجل في حق الأصيل لاستغنائه عن الأجل بموته ، ولا يتأتى ذلك في حق المحال عليه لأنه حي محتاج إلى الأجل ، ولو حل عليه إنما يحل بناء على حلوله على الأصيل فلا وجه له لأن الأصيل بريء عن الدين في أحكام الدنيا والتحق بالأجانب ; ولو مات المحال عليه قبل الأجل والمحيل حي حل المال على المحتال عليه لاستغنائه عن الأجل بموته ، فإن لم يترك وفاء رجع الطالب على المحيل إلى أجله لأن الأجل سقط حكما للحوالة وقد انتقضت الحوالة بموت المحتال عليه مفلسا فينتقض ما في ضمنها وهو سقوط الأجل ، كما لو باع المديون بدين مؤجل عبدا من الطالب ثم استحق العبد عاد الأجل لأن سقوط الأجل كان بحكم البيع وقد انتقض كذا هنا .




الخدمات العلمية