الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يضيف أحد الخصمين دون خصمه ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، ولأن فيه تهمة . قال ( وإذا حضرا سوى بينهما في الجلوس والإقبال ) [ ص: 275 ] لقوله عليه الصلاة والسلام { إذا ابتلي أحدكم بالقضاء فليسو بينهم في المجلس والإشارة والنظر } ( ولا يسار أحدهما ولا يشير إليه ولا يلقنه حجة ) للتهمة ولأن فيه مكسرة لقلب الآخر فيترك حقه ( ولا يضحك في وجه أحدهما ) لأنه يجترئ على خصمه ( ولا يمازحهم ولا واحدا منهم ) لأنه يذهب بمهابة القضاء .

التالي السابق


( قوله ولا يضيف أحد الخصمين دون خصمه ) الآخر ، لما روى إسحاق بن راهويه في مسنده عن الحسن قال { جاء رجل فنزل على علي رضي الله عنه فأضافه ، فلما قال إني أريد أن أخاصم ، قال له علي رضي الله عنه : تحول فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نضيف الخصم إلا ومعه خصمه } . وكذا رواه عبد الرزاق ثم الدارقطني . ( ولأن فيه تهمة ) الميل .

( قوله وإذا حضرا سوى بينهما في الجلوس والإقبال ) لما روى إسحاق بن راهويه في مسنده : أخبرنا بقية بن الوليد عن إسماعيل بن عياش ، حدثني أبو بكر التميمي عن عطاء بن يسار عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليسو بينهم في المجلس والإشارة والنظر ، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين أكثر من الآخر } وأخرجه الدارقطني في سننه عن عباد بن كثير عن عبيد الله عن عطاء بن يسار عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم { من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده } وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري أن : آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك [ ص: 275 ] حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك .

( ولا يسار أحدهما ولا يشير إليه ولا يلقنه حجته للتهمة ولأن فيه مكسرة لقلب الآخر فيترك حقه ولا يضحك في وجه أحدهما لأنه يجترئ بذلك على خصمه ، ولا يمازحهم ولا واحدا منهم لأنه يذهب بمهابة القضاء ) والمستحب باتفاق أهل العلم أن يجلسهما بين يديه ، ولا يجلس واحدا عن يمينه والآخر عن يساره لأن لليمين فضلا ، ولذا كان صلى الله عليه وسلم يخص به أبا بكر دون عمر . وفي أبي داود { أن عبد الله بن الزبير خاصمه عمرو بن الزبير إلى سعيد بن العاص وهو على السرير قد أجلس عمرو بن الزبير على السرير ، فلما جاء عبد الله بن الزبير وسع له سعيد من شقه الآخر فقال هنا ، فقال عبد الله : الأرض الأرض قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو قال : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الخصمان بين يدي القاضي . } .

وفي النوازل والفتاوى الكبرى : خاصم السلطان مع رجل فجلس السلطان مع القاضي في مجلسه ينبغي للقاضي أن يقوم من مقامه ويجلس خصم السلطان فيه ويقعد هو على الأرض ثم يقضي بينهما . وبهذه المسألة يظهر أن القاضي يصلح قاضيا على السلطان الذي ولاه ، والدليل عليه قصة شريح مع علي فإنه قام فأجلس عليا رضي الله عنه مجلسه ، وينبغي للخصمين أن يجثوا بين يديه ولا يتربعان ولا يقعيان ، ولو فعلا ذلك منعهما القاضي تعظيما للحكم كما يجلس المتعلم بين يدي المعلم تعظيما له فيكون بعدهما عنه قدر ذراعين أو نحو ذلك من غير أن يرفعا أصواتهما ، ويسند القاضي ظهره إلى المحراب ، وهذا رسم زماننا . قالوا : وهو أحسن لأنه موافق لفعله صلى الله عليه وسلم . أما في زمن الخصاف وغيره فكان القاضي يجلس مستقبل القبلة وهو مستحب عند الأئمة الثلاثة ; ويقف أعوان القاضي بين يديه ليكون أهيب .

وإذا حضرا فالقاضي بالخيار إن شاء ابتدأ فقال ما لكما وإن شاء تركهما حتى يبتدئاهما بالنطق ، وبعض القضاة يختار السكوت ولا يكلمهما بشيء غير ما بينهما ، فإذا تكلم المدعي أسكت الآخر حتى يفهم حجته لأن في تكلمهما معا شغبا وقلة حشمة لمجلس القضاء ، ثم يستنطق الآخر وإن لم يسأل المدعي ذلك . وقيل لا إلا بعد سؤال المدعي بأن يقول اسأله لكي يتفكر في الدعوى لتظهر له صحتها ، وإلا قال قم فصحح دعواك ، وإذا صحت الدعوى يقول فماذا تريد أن أصنع ، فإن قال أريد جوابه سأله . والأصح عندنا أنه يستنطقه ابتداء للعلم بالمقصود ، وإذا كانت الخصومة بين النساء والرجال فلا بد من تقدمهن معهم ، واختار محمد أن يقدم الدعوى الأول فالأول ، ويضع على ذلك أمينا لا يرتشي يعرفه السابق ، وليبكر على باب القاضي ولا يكون عنده طمع ، ولو أشكل السابق يقرع بينهم ولا يستعجل على الخصوم بل يتمهل معهم فإن بالعجالة تنقطع الحجة ويذهل عنها ، ولهذا لا يخوفهم فيكون مهيبا لا تخافه الناس . وأنكر الأئمة ما رأوا [ ص: 276 ] من أخذ بواب القاضي شيئا ليمكنه من الدخول وهو يعلم . قالوا : هذا فساد عظيم ليس لأحد أن يمنع أحدا من التقدم إلى باب القاضي في حاجة ، والمأخوذ على ذلك رشوة محرمة ، وعلى هذا يقاس حال الذي يسمى في زماننا نقيب القاضي . قيل : وينبغي أن يقوم بين يديه إذا جلس للحكم رجل يمنع الناس من التقدم إليه معه سوط يقال له الجلواز ، وصاحب المجلس يقيم الخصوم بين يديه على البعد والشهود بقرب من القاضي ، واعلم أن القيام بين يدي القاضي للخصومة لم يكن معروفا ، بل أن يجلسهما على ما ذكرنا فهذه أيضا من المحدثات لما فيه من الحاجة إليه .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا سافر استصحب رجلا سيئ الأدب ، فقيل له في ذلك فقال : أما علمت أن الشر بالشر يدفع . والمقصود أن الناس مختلفو الأحوال والأدب . وقد حدث في هذا الزمان أمور وسفهاء فيعمل بمقتضى الحال مرادا به الخير لا حشمة النفس المؤدي إلى الإعجاب ولا حول ولا قوة إلا بالله .

ويستحب أن يكون فيه عبسة بلا غضب ، وأن يلزم التواضع من غير وهن ولا ضعف ، ولا يترك شيئا من الحق ، ويتخذ كاتبا أمينا صالحا يكتب المحاضر والسجلات عارفا بها كي لا يقع السجل فاسدا بالإخلال ببعض الشروط كما هو مذكور في كتاب السجلات والمحاضر ، ويقعده حيث يرى ما يكتب ويكتب خصومة كل منهما وشهادة شهودهما في صحيفة وهي المحضر في عرف الفقهاء ، بخلاف عرف العادة اليوم بمصر

.



الخدمات العلمية