قال الإمام والضابط في ذلك أن كل فعل يتضمن إظهار جزع ينافي الانقياد والاستسلام لله تعالى فهو محرم ، ولهذا صرح هو بحرمة الإفراط في رفع الصوت بالبكاء ، ونقله في الأذكار عن الأصحاب .
والأصل في ذلك خبر الشيخين { } وخص الخد بذلك لكونه الغالب فيه ، وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك ، ولا يعذب الميت بشيء من ذلك إن لم يوص به لقوله تعالى { ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ولا تزر وازرة وزر أخرى } بخلاف ما إذا أوصى به كقول طرفة بن العبد :
إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا بنت معبد
وعليه حمل الجمهور خبر الصحيحين { } وفي رواية { إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه } وفي أخرى ( ما نيح عليه ) وهو يبين أن مدة التعذيب مدة البكاء ، فتكون الباء في الروايتين قبلها بمعنى مع أو للسببية . بما نيح عليهواستشكل الرافعي ذلك بأن ذنبه الأمر بذلك فلا يختلف عذابه بامتثالهم وعدمه .
وأجيب بأن الذنب على السبب يعظم بوجود المسبب ، وشاهده خبر { } وحاصله التزام ما قاله ، ويقال كلامه إنما هو على عذابه المتكرر بتكرر الفعل وهو لا يوجد إلا مع الامتثال ، بخلاف ما إذا فقد الامتثال فليس عليه سوى إثم الأمر فقط ، ومنهم من حمل الخبر على تعذيبه بما يبكون به عليه من جرائمه كالقتل وشن الغارات فإنهم كانوا ينوحون على الميت بها ويعدونها فخرا . من سن سنة سيئة
وقال القاضي : يجوز أن يكون الله قدر العفو عنه إن لم يبكوا عليه ، فإذا بكوا وندبوا عذب بذنبه لفوات الشرط .
وقال الشيخ : الأصح أنه محمول على الكافر وغيره من أصحاب الذنوب . أبو حامد
ويكره رثاء الميت بذكر مآثره وفضائله للنهي عن المراثي .
والأولى الاستغفار له ، ويظهر حمل النهي عن ذلك على ما يظهر فيه تبرم ، أو على فعله من الاجتماع له أو على الإكثار منه أو على ما يجدد الحزن دون ما عدا ذلك فما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونه .
قالت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه : فاطمة
ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام عدن لياليا