بالشهادة على الشهادة ( وثبوت رؤيته ) يحصل ( بعدل ) وإن كانت السماء مصحية { ويثبت الشهر أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيت الهلال فصام وأمر الناس بصيامه ابن عمر } رواه لقول أبو داود وصححه . والمعنى في ثبوته بالواحد الاحتياط للصوم ، ولأن الصوم عبادة بدنية فيكفي في الإخبار بدخول وقتها واحد كالصلاة حتى ابن حبان كفى كما رجحه في البحر وجزم به لو نذر صوم شهر معين ولو ذا الحجة فشهد برؤية هلاله عدل ابن المقري في روضه ، ويكفي قول واحد في طلوع الفجر وغروبها قياسا على ما قالوه في القبلة والوقت والأذان ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يفطر بقوله ، وبما تقرر يعلم أن إخبار العدل الموجب للاعتقاد الجازم بدخول شوال يجب الفطر وهو ظاهر ، وقول الروياني بعدم جواز اعتماده في الفطر آخر النهار ضعيف ، ولا أثر للفرق بأن آخر النهار يجوز فيه الفطر بالاجتهاد بخلافه آخر رمضان ، لأن الاجتهاد ممكن في الأول دون الثاني إذ من شرطه العلامة وهي موجودة [ ص: 152 ] في ذاك لا هذا خلافا لمن فرق به ( وفي قول ) كغيره من الشهور ، وادعى يشترط في ثبوت رؤيته ( عدلان ) الإسنوي أنه مذهب لرجوعه إليه ، ففي الأم قال الشافعي بعد : لا يجوز على هلال رمضان إلا شاهدان . الشافعي
ونقل البلقيني مع هذا النص نصا آخر صيغته : رجع بعد فقال : لا يصام إلا بشاهدين ، لكن قال الشافعي الزركشي قال : إن صح أنه صلى الله عليه وسلم قبل شهادة الأعرابي وحده أو شهادة الصيمري قبل الواحد وإلا فلا يقبل أقل من اثنين وقد صح كل منهما . وعندي أن مذهب ابن عمر قبول الواحد ، وإنما رجع إلى الاثنين بالقياس لما لم يثبت عنده في المسألة سنة فإنه تمسك للواحد بأثر الشافعي علي ، ولهذا قال في المختصر : ولو شهد برؤيته عدل رأيت أن أقبله للأثر فيه ا هـ .
ومنهم من قطع بالأول وهو الأصح . ومحل الخلاف ما لم يحكم به حاكم ، فإن حكم بشهادة الواحد حاكم يراه فنقل في المجموع الإجماع على وجوب الصوم ، وأنه لا ينقض الحكم ، ومحل ثبوت رؤيته بعدل بالنسبة للصوم ويلحق به كما قاله الزركشي توابعه كالتراويح والاعتكاف والإحرام والعمرة المعلقين بدخول رمضان لا بالنسبة لغير ذلك كحلول مؤجل ووقوع طلاق وعتق علقا به . لا يقال : هل لا ثبتت ضمنا كما ثبت [ ص: 153 ] شوال بثبوت رمضان بواحد والنسب والإرث بثبوت الولادة بالنساء . لأنا نقول : الضمني في هذه الأمور لازم للمشهود به بخلاف الطلاق ونحوه ، وبأن الشيء إنما يثبت ضمنا إذا كان التابع من جنس المتبوع كالصوم والفطر فإنهما من العبادات ، وكالولادة والنسب والإرث فإنها من المال والآيل إليه بخلاف ما هنا فإن التابع من المال أو الآيل إليه والمتبوع من العبادات ، هذا إن سبق التعليق الشهادة ، فلو سبق الثبوت ذلك وحكم الحاكم بها بعدل ثم وقعا ومحله كما قاله قال قائل : إن ثبت رمضان فعبدي حر أو زوجتي طالق الإسنوي : ما لم يتعلق بالشاهد فإن تعلق به ثبت الاعتراف به ، وشمل كلام المصنف ثبوته بالشهادة ما لو دل الحساب على عدم إمكان الرؤية ، وانضم إلى ذلك أن القمر غاب ليلة الثالث على مقتضى تلك الرؤية قبل دخول وقت العشاء لأن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية ، وهو كذلك كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى خلافا للسبكي ومن تبعه ، ولو علم فسق الشهود أو كذبهم فالظاهر عدم لزوم الصوم له إذ لا يتصور جزمه بالنية . والظاهر أنه يحرم عليه الصوم حيث يحرم صوم يوم الشك ، ولو علم فسق القاضي المشهود عنده وجهل حال العدول فالأقرب أنه كما لو لم يشهدوا بناء على أنه ينعزل بالفسق ، ولو لم يكن القاضي أهلا لكنه عدل فالأقرب لزوم الصوم تنفيذا لحكمه حيث كان ممن ينفذ حكمه شرعا ولا أثر لرؤية الهلال نهارا فلا نفطر إن كان في ثلاثين رمضان ، ولا نمسك إن كان في ثلاثين شعبان ( وشرط الواحد صفة العدول في الأصح لا عبد أو امرأة ) فليتأمل فليسا من عدول الشهادة ، [ ص: 154 ] وإطلاق العدول كما قاله الشارح منصرف إلى الشهادة ، فاندفع ما قيل من أن قوله وشرط الواحد صفة العدول بعد قبوله بعدل ركيك إذ العدل من كانت فيه صفة العدول وبأن ما زعمه من أن العبد والمرأة ليسا من العدول باطل إذا العدل من لم يرتكب كبيرة ولا أصر على صغيرة . نعم ليسا من أهل قبول الشهادة والخلاف مبني على أن الثبوت بالواحد شهادة أو رواية فلا يثبت بواحد منهما على الأول وهو الأصح ، وعليه فلا بد من لفظ الشهادة وهي شهادة حسبة وتختص بمجلس القاضي كما جزم به في الأنوار ، ولا تشترط العدالة الباطنة وهي التي يرجع فيها لقول المزكين كما صححه في المجموع بل يكتفى بالعدالة الظاهرة وهو المراد بالمستور ، واكتفى به وإن كان شهادة احتياطا للصوم ، وقد علم مما مر أن ما تقرر بالنسبة لوجوب الصوم على عموم الناس ، أما وجوبه على الرائي فلا يتوقف على كونه عدلا ومثله من أخبره به عدد التواتر ، وقالت طائفة منهم من رأى هلال رمضان وجب عليه الصوم وإن كان فاسقا البغوي : يجب الصوم على من أخبره موثوق به بالرؤية إذا اعتقد صدقه وإن لم يذكره عند الحاكم ولم يفرعوه على شيء ومثله في المجموع بزوجته وجاريته وصديقه ، ويكفي في الشهادة كما صرح به أشهد أني رأيت الهلال الرافعي [ ص: 155 ] في صلاة العيد ، خلافا لابن أبي الدم قال : لأنها شهادة على فعل نفسه ، ولا يكفي أن يقول غدا من رمضان عاريا عن لفظ أشهد ولا مع ذكرها مع وجود ريبة كاحتمال كونه قد يعتقد دخوله بسبب لا يوافقه عليه المشهود عنده ، بأن يكون أخذه من حساب ، أو يكون حنفيا يرى إيجاب الصوم ليلة الغيم أو نحو ذلك ، ولو لزمهم الصوم على أوجه الوجهين لأن الشروع فيه بمنزلة الحكم بالشهادة . وقال شهد الشاهد بالرؤية فصام الناس ثم رجع الأذرعي : إنه الأقرب ، ، وقول ويفطرون بإتمام العدة وإن لم ير الهلال المصنف : وثبوت رؤيته بعدل بيان لأقل ما يثبت به ، فلا ينافي كونه قد يثبت أكثر منه بل يلزم من ثبوته بالواحد ثبوته بما فوقه بالأولى .